ماذا لو.. ؟

جيهان فوزي الجمعة 11-03-2016 21:24

ماذا لو ..؟ صحونا يوما على خبر انهيار السلطة الفلسطينية وحل مؤسساتها وعودة الوضع في الأراضى الفلسطينية إلى سابق عهده؟ أي أن تتحمل اسرائيل مسؤوليتها كدولة احتلال عن كافة الأراضى التي احتلتها عام 1967، اعتقد أنه أصبح الحل الأكثر إلحاحا ومنطقية في زمن فقد فيه المنطق منطقيته واستعصت فيه الحلول؟

كيف ستكون شكل الأوضاع السياسية في الأراضى الفلسطينية بعودة الاحتلال إليها فعليا مرة أخرى؟ بعد أكثر من اثنين وعشرين عاما من المفاوضات الفاشلة لمنح الفلسطينيين قطعة صغيرة من كعكة فلسطين التي التهمت اسرائيل معظمها طوال هذه المدة، وحولتها إلى كنتونات صغيرة محاطة بحزام ناسف من المستوطنات التي قضت على ملامحها وقوضت مصيرها، فكانت تفاوض بهدف المماطلة والمهادنة والتسويف، والحقيقة أن فترة المفاوضات كانت بمثابة الفرصة الأوفر حظا لتحقيق أحلامها ومخططاتها بالاستيلاء على كل فلسطين .

اعتقد أن فكرة حل السلطة الفلسطينية أو انهيارها لم يعد مجرد توقع، فقد تنبأت به أجهزة سيادية في إسرائيل نفسها وقيادات مسؤولة حذرت من الوقوع في شرك هذا الانهيار وما سيتبعه من انفجارات متتالية ستهز عرش إسرائيل، ولم يعد في الوقت ذاته يثير المخاوف في السلطة فقد هدد الرئيس الفلسطينى محمود عباس أكثر من مرة بحل السلطة بعد استشعاره اليأس والخطر الداهم الذي يلاحق المنجزات التي عول عليها الفلسطينيون بعد هذا الاتفاق البغيض الذي لم يجلب سوى البؤس والخراب للفلسطينيين (حصار وبطالة وفقر وتجويع وصراع سياسى وانفصال جيوسياسى بين الضفة الغربية وقطاع غزة ..) فلم يجن الفلسطينيون منه شيئا، بخلاف أنهم خرجوا خاليو الوفاض من أي مكتسبات، فزادت وتيرة الصراعات في البيت الفلسطينى وتشتت خياراته في متاهة السلام، وتراجعت المقاومة وتضاءل حلم الدولة وعصف به الانقسام والتشرذم وتفتت وحدته، وفى المقابل تحقق إسرائيل المزيد من المكاسب مع كل انهيار يصيب أحد أعمدة السلطة، فأصبح الوضع القائم في الأراضى الفلسطينية جائزة كبرى للكيان الاسرائيلى لم يكن يحلم بها، إذ منحته اتفاقات أوسلو فرصة ذهبية لتحقيق أهم إنجازاتها، يأتى على رأسها تخلص إسرائيل كسلطة احتلال من تبعات تكلفة إدارة الأراضى المحتلة، فوجود السلطة الفلسطينية أزاح عنها العبء الأكبر من هذه الإدارة، وأصبحت السلطة مسؤولة عن إدارة الأوضاع الحياتية الخدمية سواء كانت في التعليم أو الصحة أو شؤون البلدية وغيرها، ولأن السلطة لا تمتلك الموارد ولا الإمكانات المادية لسد الاحتياجات الخدمية، وتكفل المجتمع الدولى بتقديم المنح والمساعدات المالية لتحقيق هذا الدور، فقد تحكمت إسرائيل أيضا في منافذ هذه الأموال وكيفية دخولها والتصرف بها، فضلا عن أن الكثير من هذه المنح تذهب إليها بشكل غير مباشر، نظرا لأنها السوق الوحيدة المشرعة على الفلسطينيين، فأصبحت السلطة مهددة بالإفلاس التام وبدأت ملامحه تظهر في إضراب المعلمين الذي تجاوز الحدود المسموح بها وعجزها عن التوصل إلى حلول مجزية ترضى هذا القطاع المهم فيها أسوة بباقى موظفيها، وهو الأمر الذي يهدد بإلغاء الفصل الدراسى بالكامل في سابقة هي الأخطر منذ نشوء السلطة الفلسطينية.

أما الفائدة الأعظم بالنسبة لإسرائيل فتكمن في تمكنها من خلق حقائق وواقع على الأرض من دون أن تتعرض للملاحقة أو المساءلة القانونية كدولة احتلال، فمضت قدما في إنشاء المستوطنات والجدار العازل وكل ما يحقق لها عوامل الفصل العنصرى والتى تجعل من ضم ما تبقى من الأراضى الفلسطينية أمر واقع، وفى هذه الحالة لايحتاج الكيان الصهيونى إلى تبرير قانونى أو سياسى لضمه أي أراض فلسطينية جديدة، وجعلها أمرا واقعا كون هناك سلطة فلسطينية مسؤولة عن إدارة تلك المناطق، ما جعل من أمر اغتصاب الأراضى الفلسطينية ومصادرتها بشكل شبه يومى أمر لا يخضع لملاحقات القانون الدولى الذي ينظم سلوك سلطات الاحتلال، بل يخضع لسلطة المحاكم الإسرائيلية العادية للاحتكام في شأنها، والذى غالبا ما يأتى في مصلحة الكيان الاسرائيلى .

وقد ذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك حينما أصبحت تصدر الأوامر للمحاكم الاسرائيلية بأن ماتم خلقه واقعا وكانت تعتبره غير شرعى، لم يعد كذلك بل تجاوزت الأمر لتخلق واقعا جديدا على الأرض بأثر رجعى خلافا للقانون الاسرائيلى ذاته.

إن إصرار إسرائيل للترويج دوما بعدم وجود شريك لها في السلام، ومن ثم عدم الوصول إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، أعطاها الحق في تلقى المساعدات الدولية من أمريكا وأوروبا تقدر بالملايين، وهى مساعدات مبررة بعدم وجود تسوية تضمن وجودها وتحقق أمنها واستقرارها، ومن خلال الوضع القائم تضمن دعمها في كل الأحوال، وتكتسب المزيد من الضمانات التي تساهم في بناء قوتها واستقرارها، على أنقاض الصراعات الدائرة في الداخل الفلسطينى بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتغذية هذه الصراعات من جهة، ومن جهة ثانية فإن انشغال المحيط العربى بأزماته وملفاته الداخلية وصراعاته السياسية، أعطتها مساحة من القوة والحرية للتحرك كيفما شاءت دون رقيب أو حسيب، ولم يكن هناك من خاسر في هذه المعادلة المعقدة سوى الفلسطينيين هم وحدهم من يدفعون الثمن.