أعادتنى كلمات الدبلوماسى الكبير والصديق جمال بيومى، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، إلى حلم راودنا طويلاً بأن تصبح مصر هي المكان الأمين والأفضل لتوفير الدواء والرعاية الطبية لكل العرب.. بدلاً من ذهابهم إلى مستشفيات أوروبا وأمريكا طلباً للشفاء.. قال السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية السابق، بكل خبرته الاقتصادية، إن الصادرات الأساسية لمصر هي صادرات خدمية.. لأننا دولة أدمغة.. دولة للعقول.
وبينما كنت في أحد المستشفيات الاستثمارية الرائعة لإجراء عملية جراحية دقيقة بالمناظير، على يد واحد ممن يوصفون بأنهم من القلائل الكبار في تخصصه وعلمه، هو الدكتور عمرو محمود عبدالحكيم، أستاذ جراحة المسالك البولية بقصر العينى ـ وجدت في هذا المستشفى جنسيات عديدة من الدول العربية، بل الأفريقية.. وقد جاءوا طلباً للعلاج والشفاء هنا في مصر.. وسمعت لهجات عربية عديدة.. وعبارات أفريقية متنوعة جاءت بهم إلى مصر، من كثرة ما سمعوه عن أطبائنا الكبار.
وأحيت هذه الصور- في ذاكرتى- ما كنا نحلم أن نحققه، أي أن تصبح مصر مستشفى العرب.. والأفارقة.. وما أيقظته كلمات السفير جمال بيومى. كان الهدف هو أن تتحول مصر إلى مستشفى ينافس ما هو موجود في أوروبا وأمريكا.. ولهذا انطلقت في مصر حركة إنشاء العديد من المستشفيات الراقية، حتى وإن أطلقنا عليها «استثمارية»، ليس للتجارة.. ولكن خدمة للأشقاء- هنا وهناك- ونوفر عليهم الذهاب إلى بريق العلاج في الخارج، بكل مشاكله وآلامه ومتاعبه، على الأقل ليجد المريض الشقيق يداً عربية حانية، تتحدث لغته وترعاه خير رعاية.. وهكذا وجدنا العديد من هذه النوعية من المستشفيات، ليس فقط لتعوض النقص في نوعيتها من المستشفيات الحكومية، ولكن لتواكب أحدث معدات الطب والعلاج في أحدث مستشفيات العام.
ولكن الحقد والغيرة دبا في نفوس قلة من الحكام العرب.. استغلوا اتجاه مصر نحو السلام وقادهم ديكتاتور العراق صدام حسين لطعن مصر في ظهرها.. بسبب دعوته، ومعه من انحاز له طمعاً في عطاياه.. أو خشية من بطشه، عندما هددهم بأنه يستطيع أن يصل إلى غرف نومهم.. ومات، أو كاد، مشروع تحويل مصر إلى أكبر مركز علمى وطبى إقليمى على المستوى العالمى.. وضربت هذه الغيرة مصر ومشروعها هذا في الصميم.
وأعتقد أن الفرصة مازالت أمامنا.. أي نقدم العلاج وأيضاً الاستشفاء، مع الراحة والأمان للعرب والأفارقة. نقول ذلك ومصر فيها الآن هذه النوعية شديدة التقدم علاجياً، وفى كل التخصصات الدقيقة، وبأحدث الوسائل التي تعمل بها أفضل مستشفيات العالم.. ثم ليكملوا علاجهم بالاستشفاء في مناطق مميزة صيفاً وشتاءً.. ومصر غنية بهذه الأماكن على مدار الفصول.
بشرط أن نستعين بآخر وأفضل ما وصل إليه علم التمريض.. وإذا كانت مصر فيها الآن معاهد عالية لتخريج الممرضين والممرضات إلا أننى أتحدث أيضاً عن سلوك هؤلاء وهؤلاء.. وأتذكر هنا وقد رأيتهم- في كل الدول الخليجية- يستخدمون أفضل أطقم الممرضين وبالذات من الفبلبين وتايلاند وإندونيسيا.. وهو ما أخذت به بعض أفضل مستشفياتنا الاستثمارية.. ولكن هذا لا يكفى.
هنا يجب أن «تتكامل» المنظومة العلاجية عندنا.. وأول ما نملكه هؤلاء الأطباء الكبار الذين وصلوا إلى العالمية.. مع ما يجب أن نوفره من معدات.. وأماكن وغرف عمليات وإنعاش.. وهناك نظام التمريض المتقدم.
ولو تحققت هذه المنظومة العلاجية، سوف تصبح مصر وسريعاً أكبر مركز طبى إقليمى، على المستوى العالمى.. وبذلك نزيد من العائدات.. لأن السلطات العربية الخليجية لا تبخل على مواطنيها، بالذات في موضوعات العلاج.. وهكذا تطبق مقولة السفير جمال بيومى بأن صادرات مصر الأساسية هي صادرات خدمية.