القطار.. والميكروباص!

سليمان جودة الخميس 10-03-2016 21:28

ركبت قطاراً من العاصمة البولندية وارسو، إلى مدينة تبعد عنها 400 كيلومتر، فقطع المسافة فى ساعتين وعشرين دقيقة، وكانت قيمة التذكرة بما يعادل 300 جنيه.

فى كل لحظة من اللحظات، بين العاصمة وبين المدينة، كنت لا أستطيع أن أمنع نفسى من المقارنة بين السكة الحديد هناك، وبينها هنا، ولم تكن المقارنة فى صالحنا، مع أن سكك حديد مصر هى الثانية عالمياً، من حيث تاريخ نشأتها، بعد سكك حديد بريطانيا العظمى!

مسافة الـ400 كيلو تساوى مسافة الذهاب من القاهرة إلى الإسكندرية، ثم العودة، وأظن أن قيمة التذكرة عندنا، ذهاباً إلى الإسكندرية من العاصمة، ثم عودة إليها، فى الدرجة الممتازة، تكاد تكون فى حدود الـ300 جنيه فى القطار البولندى، ومع ذلك، فمستوى الخدمة فى القطار البولندى لا يمكن مقارنته، بأى حال، بمستواه فى قطارنا!

وقد تذكرت على الفور تصريحاً للدكتور سعد الجيوشى، وزير النقل، كان قد أطلقه قبل شهرين من الآن، وقال فيه إنه لا يفهم كيف يخسر القطار فى وزارته، ثم يكسب الميكروباص خارج الوزارة، مع أن الاثنين وسيلة من وسائل النقل، ومع أن الراكب يدفع أجرة فى الحالتين، فلماذا يربح صاحب الميكروباص، ويخسر صاحب القطار، الذى هو الحكومة.. لماذا؟!

وأظن أن الوزير يعرف السبب، كما أن هذا السبب نفسه ليس خافياً على الحكومة، وهو أن المال فى حالة الميكروباص له صاحب يراقبه، ويخاف عليه، ولكنه ليس كذلك فى حالة القطار، الذى يبدو المال فيه بلا صاحب يخاف على كل قرش فيه!

وحين قرأت مؤخراً عن خسائر السكة الحديد، وكانت بالمليارات، شأنها شأن ماسبيرو، وشأن مصر للطيران، وشأن.. وشأن.. إلى آخر المرافق العامة الخاسرة، أصابتنى صدمة، ثم حيرة فى الأمر كله.. وكان سبب الصدمة أن الخسائر قد بلغت هذا الرقم الهائل على مرأى من حكومات سابقة، ثم كان سبب الحيرة أن تظل الحكومة رغم هذه الخسائر تملك وتدير، فى وقت تستطيع فيه أن تدير، وتنظم، وتراقب، وفقط، لأن دورها ليس أن تملك، ولا أن تنتج، إلا فى أقل القليل، وفى حالات محددة، وقليلة، يعرفها العالم من حولنا، ويتوافق عليها.

ولابد أن نقطة البداية هى ما كنت قد نشرته هنا، قبل أيام، للأستاذ معتز الألفى، وكان فيه يقول إن تجربته تقول له، ولغيره، هناك خطوات ثلاث لإدارة مثل هذه المرافق، لتكون رابحة فى النهاية.. أما الأولى فهى اختيار مديرين لها، من ذوى التعليم الجيد، والكفاءة العالية، وخصوصاً الذين تلقوا تعليماً فى الخارج، وفى الجامعات المحترمة، وأما الخطوة الثانية فهى إطلاق الحد الأقصى لأجور القيادات، حتى تستطيع الحكومة أن تنافس أجور القيادات المماثلة فى القطاع الخاص، والثالثة أن يوضع نظام محدد للتقييم، وللمحاسبة، وللمساءلة.. وعندها.. بل عندها فقط، سوف يربح القطار، مثله مثل الميكروباص، وأعلى طبعاً!

وإذا كان لى أن أضيف شيئاً رابعاً، فوق الخطوات الثلاث، فهو أن يجرى النص بشكل صريح، فى القانون الحاكم لأى مؤسسة تستبقيها الحكومة فى ملكيتها، أنها لن تصرف مليماً واحداً، على سبيل الأرباح، فى أى مشروع خاسر، وأن صرف الأرباح سوف يكون فى المشروعات الرابحة وحدها، وبمقدار ربحها.. وفقط!