السلطنة والجزائر وحزب الله

عبد الناصر سلامة الخميس 10-03-2016 21:28

سوف يظل قرار مجلس التعاون الخليجى ووزراء الداخلية العرب، باعتبار حزب الله اللبنانى منظمة إرهابية، عاراً يلاحق التاريخ العربى الحديث، الملطخ أساساً بما هو أكثر من العار، قديماً وحديثاً. بدايةً، كنت أعتقد أن سلطنة عمان سوف يكون لها موقف آخر داخل المنظومة الخليجية على الأقل، لما عهدنا فى سياستها من التروى والتريث مع مثل هذه المخططات، إضافة إلى الجزائر على المستوى العربى لما تتمتع به من خصوصية عربية لا تتجاوب مع الإغراءات المالية، أما ما دون ذلك فحدث ولا حرج، نتيجة عوامل كثيرة متفاوتة.

من الممكن أن يكون الإعلام العربى قد نجح، إلى حد كبير، فى تشويه المنظمتين العربيتين الوحيدتين، اللتين مازالتا تتمسكان بخيار المقاومة ضد إسرائيل، وهما حماس وحزب الله، رغم أى محاذير بشأنهما، إلا أن الإعلام الغربى، أو العالمى بصفة عامة، مازال يتعامل معهما على أنهما منظمتان مقاومتان للاحتلال، ومن الممكن أن تنهج السياسات العربية نهج إعلامها، كما حدث من المجلس الخليجى، أو المجلس الوزارى العربى، إلا أن العالم الخارجى يرى أيضاً غير ذلك، هى الكوميديا السوداء، وإن شئت قل: الأيام السوداء.

كما هو واضح، فإن المملكة السعودية هى التى قادت هذا الاتجاه فى المنظومتين الخليجية والعربية، لأسباب لا علاقة لها بالتعاون العربى المشترك، أو بأى مصلحة عربية، وإنما فقط لأسباب طائفية، سُنَّة وشيعة، هذه الآفة التى لم تكن تشغل المواطن العربى من المحيط إلى الخليج، فأصبحت الآن، بالفعل السعودى، تشغل العامة والخاصة، تشغل الساسة والدبلوماسيين، مزيد من الفرقة العربية، ومزيد من التردى، ومزيد من الشقاق والتنافر بأموال النفط، التى ارتبطت فى القرآن الكريم بتحقيق الأمن وليس العكس، فى قوله تعالى: «رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات»..

كنت أتوقع من سلطنة عمان أن تفطن إلى مقاصد الحكمة العربية «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، حيث لم تكن المذاهب فى عمان مريحة للمذهب الوهابى ذات يوم، وأهل عمان وساستها أدرى بالتفاصيل، بينما كان الجزائريون مطالبين بتقدم الصف فى مثل هذه الحالة، التى انزوت فيها مصر، لأسباب اقتصادية واضحة، وسياسية معلومة.

كنت أود أن يكون هناك ميثاق عربى، أو حتى خليجى، يعتبر أى دولة من الدول الأعضاء إرهابية، إذا هى حملت السلاح فى وجه دولة أخرى شقيقة، أو موَّلت مادياً أو عينياً تنظيمات مسلحة مناوئة فى هذه الدولة أو تلك، فى هذه الحالة كان تطبيق تعريف الإرهاب سوف يكون مختلفاً، ليشمل عواصم كبرى، وليس تنظيمات مقاومة للاحتلال هنا أو هناك.

كنت أود أن تقترح بعض العواصم القيام بوساطة للتقريب بين المذاهب، أو لحل الخلافات السياسية الناشبة داخل هذه الدولة أو تلك، أما أن يتهم بعضنا بعضاً بالإرهاب، وأن نساعد على مزيد من الاقتتال والحروب داخل الوطن الواحد، فهى سياسات قصيرة النظر، لم تأخذ فى الاعتبار طبيعة النفس العربية التى لا تنسى الإساءة، فما بالنا بالغزو، والقتل، والتهجير، والتشريد، وتدمير أوطان بأكملها.

حزب الله أيها السادة، سطّر تاريخاً من البطولات، لا يمكن إنكاره فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى، ودفع فى سبيل ذلك ثمناً غالياً من الأرواح والممتلكات، توَّج كل ذلك فى النهاية بتحرير كامل التراب اللبنانى، استطاعت إسرائيل وعواصم عربية وغير عربية، للأسف، توريطه فى الوحل السورى، حتى يصبح جيش الاحتلال بمأمن من الجبهتين السورية واللبنانية فى آن واحد، وكان لهم ما أرادوا، إلا أن ذلك فيما يبدو ليس كافياً، المخطط يسير فى اتجاهات أخرى جديدة، وبوتيرة متسارعة، وقد أصابنا الخلاف حول سوريا بالعمى، بصراً وبصيرة، عن أن هناك عدواً مشتركاً للعرب، كل العرب، بمختلف طوائفهم.

ما يثير التفاؤل هو رد الفعل الشعبى المصرى، بل العربى عموماً، الرافض لتلك القرارات العربية الخليجية، بالتوازى مع رفض التطبيع مع العدو الصهيونى سواء بسواء، بما يؤكد الفجوة الشاسعة بين الشعوب والأنظمة من جهة، وأن الأمة العربية بخير من جهة أخرى، وسوف تبقى كذلك حتى لو كان قادتها غير ذلك.