ألح مجدداً على حديث الرئيس الشهرى، لماذا اختفى هذا التقليد؟ لماذا صرف النظر عن هذا اللقاء الشهرى المهم؟ لماذا يستعيض الرئيس عن حديثه المباشر إلى الشعب بمكالمات فضائية مشفرة لا تسمن ولا تغنى من جوع إلى الحقيقة الكاملة؟
إذا كان الحديث الشهرى فى تجاربه الأولى شابته أخطاء فنية، يمكن تداركها، تجويد فى البرواز، إذا كان الحديث لم يرق للمتزحلقين، وشكك فى جدواه المرجفون، وتناوله المغرّدون المغرضون بالشك والتشكيك، هذا قدر الرئيس، وضريبة المنصب، كل رؤساء العالم يُجْلَدون بسياط المعارضين، ويُسلقون بألسنة حداد!
الحديث الشهرى مهم وأهميته فى المعلومات، الرئيس يملك المعلومات، ويحوز الخرائط، ويقف على رؤوس المشروعات، وبالمعلومات يدحض الشائعات، ويرد على الأكاذيب، ويملك الشعب المعلومات التى تسنده فى مواجهة حملة عقور تستهدف الوطن.
بالحديث الشهرى يحصّن الشعب من الاغتيالات المعنوية التى يشنها المرتزقة من عواصم دولية، ويتلقفها الشارع الذى يعانى ظمأ للمعلومة، معلومات كاذبة تهطل عليه على مدار الساعة ولا يجد لها تفسيراً، لسان الحكومة مقطوع، ولسان المسؤولين يتهته أمام كل شائعة، والمتحدثون الرسميون ينتظرون أمراً بالحديث، صامتون لا يتحدثون إلا فى الشديد القوى وبعد خراب مالطة، تأتى توضيحاتهم نفياً، وتنسحب عليها قاعدة نفى النفى إثبات.
عندما يقول الرئيس: «اسمعونى أنا بس»، إذاً تكلم نحن لكم منصتون، للأسف الرئيس يتكلم ونحن عنه غافلون، إذ فجأة وبدون تمهيد، الحق مكالمة للرئيس، ونجرى ونتخبط للحاق بمكالمة الرئيس، من يلحق بجملة أو يلحق عبارة، اجتزاء فى اجتزاء، وكلمة من هنا وكلمة من هناك، وفيديو ناقص، وفيديو ممنتج، فرصة لتحوير الكلمات وانتزاعها من سياقها، الكلام على الهاتف يحتمل التأويل.
عندما تتراكم الشائعات وتصبح جبالاً تحجب الحقيقية، لابد من إزاحتها بجرافات الثلوج، لا ننتظر حتى تذوب الثلوج، الثلوج التى تحول بين الرئيس والشعب لن تذوب إلا بحرارة الحوار، إذا تحدث الرئيس شهرياً يجنبنا الكثير، لا أحد يملك المعلومات، ولم تعد أجهزة المعلومات تتواصل، لم تعد فى أيدينا معلومة ممسوكة، والرئيس يطل علينا كل حين، وحلنى على ما يتكلم الرئيس!
الرئيس فى مسرح الجلاء قال: «أنا هتكلم النهارده كتير»، الكلام الكثير ينسخ بعضه بعضاً، رغبة الرئيس فى الكلام يجب تنظيمها جيداً، لتنتج أثراً، تمكث فى الأرض القاحلة من المعلومات، الحديث الشهرى يوفر للرئيس فرصة شهرية لإيضاح ما غُمَّ علينا من شؤون الداخل والخارج، لو كان هذا الطقس الرئاسى مُفعّلاً ما احتاج الرئيس إلى الحديث مطولاً فى جلسة واحدة، تداخلت فيها الموضوعات، وشاهت فيها المعلومات، واقتنصت الثعالب العقورة شذرات من الحوار لتنشب أظافرها فى رقبة الرئيس.
الحديث الشهرى يوفر طلة محسوبة بدقة، برواز يطل منه الرئيس فى توقيت معلوم للخاصة والعامة، برؤوس موضوعات مدروسة جيداً، وطروحات معدة إعداداً جيداً من مجموعات للتفكير، وفق دراسات واستطلاعات محترفة لما يهم الرأى العام، وما يقلق الرأى العام، وما يشغل الرأى العام، عين على الرأى العام فاحصة فاهمة واعية مدركة لحرب المعلومات.
الظهورات الرئاسية الأخيرة لم ترق إلى المطلوب من الرئيس، والارتجال يكلفه الكثير، والمكتوب لا يعبر جيداً عن طريقة الرئيس فى التعبير، بين المرتجل والمكتوب يمكن كتابة المرتجل، ليتحدث به الرئيس فى برواز معد جيداً يضمن سلامة التوصيل، وتدفق المعلومات، وجدية الردود، والتواصل مع الشارع فى موعد موقوت، حديث الرئيس الشهرى ليس رفاهية بل ضرورة وطنية وملحة فى ظرف دقيق!.