يعتبر أفراد الطبقة العاملة البيضاء الجزء الأكبر من قاعدة دعم رجل الأعمال، دونالد ترامب، الذى يسعى للفوز بثقة الحزب الجمهورى للترشح للانتخابات الرئاسية، فهم يحتشدون بأعداد ضخمة من أجل مرشحهم فى مؤتمراته، ولكن آراءهم بشكل عام لا تظهر فى الصحف الكبيرة، فى حين أن مطبوعاتهم تتكلم عن تجاهل للطبقة العاملة من الإعلام الرسمى بشكل ممنهج.
ففى العادة، عندما يحاول شخص أكاديمى فهم احتياجات الطبقة العاملة يستعين بخبراء بالمجال لمحاولة تفسير ظاهرة «ترامب» دائما ما يعطون تفسيرا واحدا: التعصب الأعمى، فالخبراء يقولون لنا: «العنصرية وحدها هى المحرك الوحيد الذى يستطيع دفع شخص مثل ترامب الذى يعصف كالإعصار بكيان تاريخى مثل الحزب الجمهورى»، و«ترامب» بنفسه يدعم هذا التفسير، فهو الرجل الذى أهان كل مجموعة من المجموعات العرقية الأمريكية، كلاً على حدة. فى المقابل، حصل، على طبق من ذهب، على دعم واسع من دعاة الكراهية وقيادات الجماعات العنصرية متحمسة لاحتمالية وجود شخص متعصب و«صادق أمام الله فى البيت الأبيض»، وبذلك جعل المعلقين متيقنين أن هذا هو كل ما أعطى حملة «ترامب» الدفعة، بينما الأخبار التى تتندر بغباء دونالد ترامب، والتى تتهم أنصاره بالعنصرية، تُنشر كل يوم من قبل المحافظين والليبراليين على حد سواء.
لذلك قررت أن أكتشف بنفسى، وشاهدت الأسبوع الماضى ساعات طويلة من خطابات «ترامب»، فوجدته يتفاخر بتبجح ويهدد، لقد أثار ذلك اشمئزازى، ولكنى لاحظت شيئا أدهشنى فى كل الخطابات التى شاهدتها! كان «ترامب» يخصص وقتا طويلا للتحدث عن موضوع مهم، هذا الموضوع يمكن تصنيفه على أنه يسارى الهوية، فدونالد ترامب كان يتحدث عن التجارة، وبالحكم على حجم الوقت الذى قضاه فى الكلام عن هذا الموضوع يمكننا الحكم أنه أكبر ما يشغله، وليست خطته بناء حائط على الحدود الأمريكية- المكسيكية لوقف المهاجرين، ويبدو أن «ترامب» مهووس باتفاقيات التجارة الحرة التى بموجبها تم نقل العديد من المصانع إلى خارج البلاد، ومن ثم هدد «ترامب» خلال خطاباته بأنه سوف يجبر رؤساء هذه الشركات على التراجع ونقل مصانعهم إلى الولايات المتحدة مجدداً، وزين «ترامب» رؤيته بفكرة أخرى مفضلة عند اليساريين، وهى أنه سوف يجعل الحكومة، تحت قيادته، تبدأ «مناقصات تنافسية فى قطاع الدواء». بجانب استمراره فى توجيه النقد إلى المؤسسة العسكرية الأمريكية التى تُجبر على شراء طائرات سيئة وغالية بفعل تأثير مجموعات الضغط الصناعية، ومن ثم تصريحاته العديدة بأنه شخص ثرى جدا ما هى إلا جزء من طريقته لتسويق نفسه بأنه شخص لا يمكن شراؤه، ولا يحتاج للمال من جماعات الضغط ورجال الأعمال الآخرين، معلنا بذلك أنه متحرر من الأسباب التى تؤدى لفساد السلطة، ربما «ترامب» يظهر بشكل متناقض بهذا الأمر، ولكنه على الأقل يتكلم عن هذه الأشياء فى العلن.
كل هذه الأمور فاجأتنى، حيث إن جميع المقالات التى قرأتها عن «ترامب» فى الشهور الأخيرة لم تذكر «التجارة». فربما كل هذا الكلام عن التجارة هو المفتاح لفهم ظاهرة «ترامب»، وليس تصريحاته العنصرية.
وبالتالى هناك طريقة أخرى لتفسير «ترامب» كظاهرة، وهى أن ربما شعبيته شائعة فى مناطق تنتشر فيها الأفكار العنصرية، ولكن بشكل أكبر تمددت فى قطاعات توغل فيها اليأس من تراجع الصناعة، بفضل المناطق الاقتصادية الحرة التى أشقتهم اقتصادياً لمدة 30 عاما، والتى سببتها «اتفاقية واشنطن للأسواق الحرة».
نقلاً عن صحيفة «جارديان» البريطانية
ترجمة- مروة الصواف