فى فبراير 1961 وقع الانفصال بين مصر وسوريا، جاء الانفصال من الجانب السورى، رغم أنهم هم من طالبوا بالوحدة سنة 1958، وضغطوا على مصر والرئيس عبدالناصر للقبول بها وإتمامها، تحت مسمى «الجمهورية العربية المتحدة».
وقوع الانفصال لم يغير العلاقة العاطفية التى تربط السوريين بالزعيم عبدالناصر، ظلوا يحبونه ويقدرونه إلى اليوم، ولم تتغير علاقة السوريين بمصر والمصريين وحبهم لهم، وما بين عامى 2001 – 2007، زرت سوريا عدة مرات فى مهام صحفية، وجبت معظم محافظاتها، وتجولت داخل قرى سورية بسيطة، وفى هذه المحافظات، كان يكفى أنك مصرى حتى تفتح لك كل القلوب، بصدق وتلقائية شديدة.
وإذا كان الأمر على هذا النحو، لماذا انفصل السوريون؟!!
خصوم المشير عبد الحكيم عامر داخل مصر وسوريا، تحدثوا عن أخطاء كبيرة وقع فيها رجال مكتبه فى دمشق، حتى إن عملية الانفصال أديرت تقريباً منهم، ومن وراء ظهره، وهذا يمكن أن يكون صحيحاً، وما نشر أن الرئيس عبدالناصر كان مقتنعاً بذلك التفسير للانفصال، لكن لا أظن أنه السبب الحقيقى، هذه أخطاء فى الممارسة السياسية، يمكن أن تقع فى أى مكتب ويمكن كذلك إصلاحها أو التراجع عنها.
خصوم الرئيس عبدالناصر وكارهوه حملوه- هو شخصياً- المسؤولية، وأصروا على أن ما أطلقوا عليه ديكتاتوريته وشخصيته الطاغية نفرت السوريين منه، ولا أتصور أن هذا التفسير صحيح، خاصة أن الحكم، الذى جاء إلى سوريا بعد فترة الوحدة، كان أكثر استبداداً وأشد ديكتاتورية، لم يكن الرئيس السورى أمين الحافظ ومن معه ليبراليين، وما كان الحكم هناك يوماً ديمقراطياً، بالمعنى الأمريكى للمفهوم.
أصحاب نظرية المؤامرة، ذهبوا إلى أن هناك مؤامرة أمريكية جرت على الوحدة، للقضاء عليها وقتل أمل الوحدة العربية، والحط من زعامة عبدالناصر، والأمر المؤكد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تسترح ولم تحب عبدالناصر، رغم التعامل الأمريكى معه بعض الفترات، ورغم أن الولايات المتحدة والرئيس أيزنهاور اتخذ موقفاً صلباً ضد دول العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956 ولصالح مصر، الوثائق الأمريكية تثبت أنهم منذ 1954 لم يكونوا مستريحين إليه، لكن هذه الوثائق تؤكد كذلك أن الولايات المتحدة سعدت بالوحدة سنة 1958 وانزعجت من الانفصال سنة 1961، لأن وجود سوريا فى حوزة وزعامة عبدالناصر، كان يعنى عندهم حمايتها من الوقوع فى براثن الشيوعيين، كانت الإنسانية فى ذروة الحرب الباردة يومها، وكان معروفاً عن عبدالناصر رفضه التام للشيوعيين، وبدا ذلك جلياً فى موجة اعتقالات اليسار فى مصر مطلع سنة 1959، ثم العداء بينه وبين زعيم العراق عبدالكريم قاسم.
السبب الحقيقى للانفصال، كما أراه، يرتبط بالأزمة السورية الحالية، نأى السوريون عن الوحدة، لأنهم رأوها تفقدهم هويتهم، وتحولهم إلى مجرد الإقليم الشمالى، وهذا شعور كان لدى كثير من المصريين كذلك، إذ إن مصر صار اسمها الإقليم الجنوبى من الجمهورية العربية المتحدة، تصوروا مصر بجلالة قدرها تصبح مجرد إقليم فى دولة، وسوريا كذلك تصبح الإقليم الشمالى، وتحدث بعض السوريين وقتها، بصوت مرتفع، عما أسموه الاحتلال المصرى لسوريا.
يجب أن نتذكر ذلك جيداً، مع كثرة الأحاديث عن تقسيم سوريا، فى العشرينيات حاولت فرنسا وفشلت، وهناك آخرون سعوا إلى ذلك فيما بعد، واليوم تتكرر الأحاديث، والواضح أن هناك مشاريع وخططا بهذا الصدد، ولا أظن أنه سوف ينجح، رغم كل الصراعات الطائفية والمذهبية التى يجرى التأجيج لها، الشعور الوطنى لدى السوريون قوى، ولا أعتقد أنهم يمكن أن يقبلوا بالتفتت والتقسيم.
الشعور الوطنى قوى لدى معظم أبناء المنطقة، خاصة فى الدول القديمة، ذات الثقل التاريخى والحضارى، كما هو الحال فى مصر وسوريا والعراق، وغيرها.. هذا الشعور هو الذى حرك المصريين لثورة 30 يونيه 2013.
أعرف أن هناك من لا يستريحون للشعور بالوطنية، خاصة بين دعاة العولمة أو دعاة الإسلام السياسى، لكنه الحقيقة المؤكدة إلى الآن.
سوريا عبارة عن فسيفساء خاصة، تضم أكثر من 25 أقلية مذهبية وطائفية وعرقية، فضلاً عن أن حدود سوريا جرى فتحها وانتهاكها أمام الأجانب من مختلف البلدان، وهؤلاء جميعاً، لا يفعلون شيئاً سوى قتل السوريين، وتدمير بيوتهم وزراعاتهم، مصانع تم تفكيكها ونقلها إلى الخارج، منتجات زراعية يتم السطو عليها، وغير ذلك كثير، ثم راحو ا يصدرون العنف والموت إلى كثير من بلدان المنطقة، فضلاً عن أنهم باتوا يهددون أوروبا.
أى انفراط لهذه الفسيفساء، يعنى دخول سوريا فى حالة من التشرذم، لا يمكن السيطرة عليها، وتفتح أبواب جهنم على المنطقة بأكملها، والشواهد التاريخية فى ذلك مرعبة، حدث ما حدث فى سوريا من تدمير وتخريب، فضلاً عن القتل العام والتهجير الجماعى.
حدث هذا، رغم أن الجيش السورى مازال متماسكاً، وسلاحه تحت السيطرة، ودون أن يقع التقسيم، فماذا يمكن أن يحدث بعدها..؟!!!