الشاعر عبد الله بن عُمر بن عَمرو بن عثمان بن عفان، الملقب بالعرجى نسبة إلى وادٍ بالحجاز اسمه «العرج»، اشتهر بين العرب على أنه الشاعر الذى أضاعه قومه لقصيدته التى يقول فى مطلعها: (أضاعُونى وأيَّ فَتىً أضاعوا ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثَغــرِ.. وخـلونى لمعترك المنايا وقد شرعت أسنتها بنحرى.. كأنى لم أكن فيهم وسيطاً ولم تكن نسبتى فى آل عمرو.. أجرر فى الجوامع كل يوم ألاَ لله مَظلَمَتِى وصَـــبرى).. والعرجى كان فتى أرستقراطياً ذا يسار، وكان ينفق من ماله على الفقراء والمحتاجين فى أيام العسر، لكنه عرف أيضا بالبذاءة والفحش والفجور فى أشعاره، والتى سببت له خصومات مع والى مكة الذى طالبه بالكف، فهجاه العرجى وحبسه الوالى وقد قال هذه القصيدة فى محبسه. ومن العجيب أن هذه البكائية تسببت فى تحول شخص آخر كان سلوكه يماثل العرجى؛ فقد قيل إن الإمام أبوحنيفة النعمان كان له جار فى الكوفة يغنى وكان كلما ثَمل وطوحت الخمرُ برأسه، طفق يغنى بأبيات العرجى هذه: أضاعونى وأى فتى أضاعوا.
وذات ليلة افتقد الإمام صوت جاره، فسأل عنه فى الصباح التالى فقيل له أخذه العسس ليلا، فذهب مباشرة إلى والى الكوفة وقال له: إن لى جاراً أخذه عسسك البارحة وحبسه وما علمت منه إلا خيرا، فقال الوالى لجنوده: سلموا إلى أبى حنيفة كل من أخذه العسس البارحة، فلما خرج الفتى دعاه أبو حنيفة النعمان وقال له: ألست كنت تغنى يا فتى كل ليلة أضاعونى وأى فتى أضاعوا. فقال: نعم. قال الإمام: وهل ترانا أضعناك؟ قال: لا والله، ولكن أحسنت وتكرمت أحسن الله جزاءك. وقد صلح حال الفتى من لحظتها.
منذ أسابيع قليلة ونحن بالمقهى وجدنا عمال محل الأنتيكات المجاور يشاكسون رجلاً مسناً ويشدونه من ملابسه حتى سبهم الرجل فالتفوا حوله يريدون ضربه، وعندما تدخلنا ادّعوا أنه سكران وقد سبهم الأول، العجيب أن بعض هؤلاء العمال مع آخرين بعد إغلاق المحل يتجمعون على الناصية يدخنون الحشيش ويتعاطون الترامادول فى العلن! ما هذه الشيزوفرانيا؟ الذين يتحركون بفعل وازع أخلاقى أو دينى لماذا يفرقون بين هذه وتلك! وهل منكم من هو أقوى علماً بالفقه وعلوم الدين من الإمام «أبوحنيفة النعمان» الذى صبر على جاره وأخرجه من محنته دون أن يشترط عليه التوبة، ومن الطبيعى أن يعتدل سلوك الفتى بعد هذا الموقف من الإمام الأكبر.
والخمر وشراؤها وحيازتها ليست مجرّمة فى القانون المصرى.. إنما قيادة السيارات فى حالة السكر البين أو الاشتباك مع آخرين بنفس الحالة هى المجرّمة، والقانون حدد الإجراءات المتبعة للتأكد من ذلك. وأنا لست بصدد مناقشة ما جرى مع بعض الأشخاص مؤخرًا ولا كونهم مذنبين أو مظلومين فالله أعلم. لكن مندهش أن يكون الاتهام هو الحيازة التى يجيزها القانون؟ فهذه الاتهامات تعطى لبعض العامة حقاً أشبه بالضبطية القضائية تجعلهم يتعرضون للناس بصفتهم أصحاب حق!..
وإليكم طرفة بهذه المناسبة.. منع جعفر النميرى الخمر فى السودان بعد أن أعلنها دولة إسلامية وفى الوقت ذاته هرب يهود الفلاشا عن طريقه إلى إسرائيل، واستوقف رجل أمن أحد الرجال يحمل زجاجة خمر، وصمم على اصطحابه إلى المخفر، أصر المواطن أنه غير سكران وفتح فمه لرجل الأمن، مع أنه لم يشم رائحة كحول قال للمواطن إنه سيحبسه بصفته حاملا للخمر، اعترض المواطن قائلا: جرى إيه يا زول! ما أنا شايل عدة الزنى بقالى 40 سنة. معنى كده إنى زنيت!.