هل يلجأ البنك المركزى والحكومة فى نهاية المطاف إلى اتخاذ القرار الصعب بتعويم الجنيه فى محاولة لإنقاذ الموقف المتردى بسوق الصرف ومواجهة الارتفاعات المتتالية لسعر الدولار بالسوق الموازية «السوداء»؟
ورغم نفى محافظ البنك المركزى طارق عامر، مؤخرا، اتخاذ قرار التعويم إلا عقب ارتفاع صافى الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبى لدى مصرفه إلى مستويات قياسية- قدّرها بنحو 3٠ مليار دولار- إلا أن أطرافا حكومية ترى ضرورة «التعويم» لمواجهة الأزمة.
يأتى هذا فى الوقت الذى لم تنجح فيه إجراءات وقرارات الحكومة والبنك المركزى، خلال الفترة الأخيرة، فى السيطرة على جنون الدولار، وزيادة موارد النقد الأجنبى، سواء من خلال الملاحقات الأمنية لشركات الصرافة، وإغلاق بعضها وشطبها بدعوى ضلوعها فى المضاربات والسوق السوداء، وكذا تقييد الواردات من خلال زيادة الجمارك على أكثر من ٦٠٠ سلعة، أو رفع العائد على شهادات «بلادى» الدولارية للمصريين العاملين بالخارج إلى 5.5%، وهو ما يفوق المعدلات العالمية على الأوعية الادخارية.
ومن المؤكد أن قراراً صعباً بتعويم الجنيه يجب التمهيد له، وإشراك أطراف دولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، باعتبارهما أبرز المؤسسات المالية والتمويلية الداعمة لمصر فنيا وماليا فى جهود الإصلاح الاقتصادى.
كما أن هذا القرار لا يتخذه محافظ البنك المركزى والحكومة فقط، لكن يتم إطلاع القيادة السياسية عليه لحسم مصيره النهائى.
وتكمن المشكلة الرئيسية فى أزمة النقد الأجنبى الراهنة، التى لا يعد «المركزى» مسؤولاً عنها حسب تقديرى، لاسيما أنه لا يطبع دولارات، ولكنه يدير الموارد المتحققة من جميع الأنشطة، وإنما المسؤول عن هذه الأزمة هو سوء إدارة السياسات الاقتصادية والمالية، رغم تغيير الحكومات المتعاقبة خلال 5 سنوات مضت.
وتحتاج هذه الأزمة إلى معالجة جذرية لإعادة موارد النقد الأجنبى إلى معدلاتها السابقة قبل ثورة يناير- 36 مليار دولار- من خلال ابتكار حلول عملية وأفكار خارج الصندوق لتنشيط حصيلة السياحة والتصدير والاستثمار الأجنبى المباشر، والتى لم تسهم التعديلات التشريعية والقانونية والوزارية فى إعادتها إلى مسارها الصحيح.
ونجد البنك المركزى يعزف منفرداً لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة طوال السنوات الماضية، من خلال إجراءات وقرارات قد لا تُرضى البعض، وتلقى مقاومة من منظمات رجال الأعمال، لكنه يستخدم ما فى جعبته من أدوات وسياسات نقدية لمواجهة أزمة النقد الأجنبى وتهريب العملة.
الحكومة مطالبة أولاً بالاعتراف بأزمة الدولار، والسعى لحلها بمشاركة البنك المركزى، بإجراءات غير تقليدية، لاسيما أن المجموعة الوزارية الاقتصادية عقدت، أمس، اجتماعاً بخصوص هذا الشأن، نتمنى أن تصل فيه إلى حلول وقرارات ناجعة، للحد من انهيار الجنيه، وإلا فإنه ليس أمامنا خيار آخر سوى التعويم، خاصة أن المخاوف من آثار القرار بارتفاع التضخم والأسعار بالأسواق تحققت بالفعل فى ظل زيادة أسعار السلع بنحو ٢٠٪ نتيجة القفزات المتتالية للعملة الأمريكية بالسوق السوداء، وندرة المعروض منها، وأثرها على استيراد السلع.
أعتقد أن اختفاء الدولار من شركات الصرافة مؤخرا يعود إلى انتظار حائزيه لتحقيق مزيد من المكاسب الناتجة عن زيادة الأسعار يوميا بالسوق الموازية، بينما يستمر البنك المركزى فى تثبيت سعره رسمياً، ما يشير إلى تزايد الفجوة بين السعرين، وعدم واقعية وعدالة السعر الرسمى.. والله أعلم.