ألغاز قضية عكاشة والسفير الإسرائيلي

سعيد السني الإثنين 07-03-2016 16:26

ملغومة وخطرة ومتنافرة هي الرسائل المتطايرةمن ثنايا غيوم وغبار قضية «إسقاط عضوية النائب توفيق عكاشة»بين عشية وضحاها،على خلفية قيامه بدعوة السفير الإسرائيلي حاييم كورن للعشاء بمنزله العامر بمحافظة الدقهلية.. فهي رسائل مُحِّيرة،كاشفة عن غياب الحرفية لنفر من اللاعبين الهواةالقابعين وراء الستائر، ممن يتولون إدارة المسارح السياسية والإعلامية، بقدر كثيف من العشوائية والتخبط، يضر بأكثر مما يفيد.

القضية ليست في «عكاشة»، مهما كانت الملاحظات على شخصه أو عليه كإعلامي.. فهذا ليس بيت القصيد.. فقد ارتضى لنفسه منذ سنوات كما غيره، أن يكون مثل عرائس الماريونيت يتم تحريكه بيد لاعب غير مرئي، وايا كان الرأي في هذا المسلك.. فمن المؤكد أنه وأمثاله مقتنعون بأدوارهم ويحسبونها للوطن، أومقابل منافع شخصية،وهو المعنى المُستّفاد من عكاشة ذاته، بعدما لعبت الطموحات برأسه، حالِماً بتولي رئاسة مجلس النواب، ولما آفاق على صدمة الفشل، أطلق المقولة المعروفة: «أكلوني لحم ورموني عضم»، لوماً وعتاباً وتلسينا منه على أجهزة بعينها تمسك بخيوط الحراك البرلماني ومن قبله العملية الانتخابية المنتجة لهذا البرلمان، وراح يهذي بكلمات ربما جرى حسبانهاعليه تجاوزاً لحدوداللعبة،ومن ثمحلت عليه اللعنة وحقّ عليه الذبح، كي تطير رأسه عبرة ورسالة لغيره من النواب أو العرائس أو غيرهما، بعدم تجاوزالمرسوم لهم من أدوار.
عملية «إسقاط عضوية عكاشة»، الخاطفة عقاباً له على استضافته للسفير الإسرائيلي، جاءت مصحوبة بمجموعة رسائلأخرىصادمة.. فليس من المتصور عقلاً ولا منطقاً ولا أمنياً، أن يحدث هذا اللقاء دون موافقة ومباركة الأجهزة المعنية بالدولة، بل وربما بتكليف منها.. وسواء كان ماحدث تطوعاً أو تكليفاً، فإن زيارة سفير دولة أجنبية معتمد، لنائب برلماني لايستدعي إسقاط العضوية، ولا يمثل جريمة برلمانية من الأساس، وهو مايعني بالبداهة رسالة أخرى -وهي متكررة- بأن الدستور والقانون خارج الحسابات، خاصة وأن أمر الزيارة مُعلن مسبقاً..قرار طرد عكاشة من جنة البرلمان، جاء مصحوباً بمزايدات وشعارات عنترية، لا لزوم لها، فقد فات على مجلس النواب ورئيسه ومن يحركهم في الخفاء، أن المجلس ليس منظمة أهلية أو حزب ناصري مناهض للسلام مع إسرائيل، إذ كان عليهم الانتباه إلى أن «البرلمان» هو سلطة من سلطات الدولة وأنه سبق له الموافقة على اتفاقية السلام مع الإسرائيليين، لأن هذا العبث يضرب مصداقية مصر لدى الغرب، كدولة تحترم تعهداتها، وساعية إلى السلام وتدعمه وتعمل على نشره.
القاصي والداني يعلم أن «عكاشة» محسوب علىالنظام القائم، أو أحد أجنحته، بما يعززفرضية أنه تم دفعه لهذه الخطوة تحريكاً لمسار التطبيع الشعبي تلبية لرغبة إسرائيلية بالأساس، و«رسالة» للإسرائليين بأن النظام لايعرقل هذا المسار الشعبي،وبالتوازي تم توجيه مجلس النواب كي يثور على عكاشة ويسقط عضويته، كأنما أراد هذا الجناح أو غيره، بهذا التصعيد البرلماني، وصول رسالة لإسرائيل مفادها بأن «التطبيع مرفوض شعبياً»، ومن ناحية أخرى ربما استهدف أصحاب الرسالة ذاتها،الإيحاء للغاضبين داخليا بأن السلطة معهم في رفض التطبيع، وأن عكاشة لايمثلها.
البادي من السياق العام للقصة كلها، عدم إدراك المُمسِكين بخيوط العرائس للآثار السلبية لهذه الغضبة البرلمانية «المفتعلة»، وفاتهم أن المعنيين بالأمر في الخارج يعلمونربما بأكثر منا، أن«ائتلاف دعم مصر» الذي قاد عملية إسقاط عكاشة،محسوب على النظام، مثل عكاشة،ولايَخِيل على أحد أنه غاضب من التطبيع، سيما وأن الشعب ينظر للمسألة كلها على سبيل اللهو والتسلية، وربما أن هذا مستهدف بحد ذاته.. أليست بالفعل ألغازمُحيرة؟.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com