انقلاب أسامة كمال

إبراهيم الجارحي الإثنين 07-03-2016 13:27

يجب أن تعترف جماعتنا الصحفية والإعلامية أن وسائل الإعلام التقليدية من صحف وقنوات تلفزيونية قد أصبحت تابعا أمينا لأنماط شبكات التواصل الاجتماعي، وأنها لم تعد تسيطر على إعداد أجندة الأخبار ولا أجندة الموضوعات الأولى بالجدل في المجتمع المصري كما كانت تفعل قبل سنوات .
على التقليديين أن يعترفوا أنهم لم يستوعبوا الموجة الحديثة التي بدأت بصحافة المواطن كبديل للإعلام العام، ووصلت اليوم إلى درجة امتلاك الصحافة الإلكترونية للمقاليد الاقتصادية والمهنية لصناعة الصحافة، بشرط التزامها باتباع الأنماط السائدة على صفحات التواصل الاجتماعي.
وأغنانا الله بالترافيك عن قيم الجودة والمهنية والموضوعية التي ما زال بعضنا يؤمن بها من باب الولاء التراثي لا أكثر، فقد انتقلنا من مرحلة احتياج الترافيك إلى مرحلة الاكتفاء به هدفا وفيصلا وحكما.
خدعوك فقالوا إن فضيحة فتاة الأوسكارز أمام ليوناردو دي كابريو كانت فشلا، فقد كانت نجاحا مدويا طبقا لما تنطق به عدادات الترافيك بعد أن تحولت المهزلة إلى نمط شائع على شبكات التواصل الاجتماعي، وبعد أن حولها رواد هذه الشبكات إلى حديث الساعة الوحيد الأولى بالنقاش لثلاثة أيام كاملة.
وفي هذا السوق الذي تستهلك فيه الصحافة التقليدية بمنافذها المختلفة نتاج ما تضخه دوائر الاهتمام على شبكات التواصل، والذي يتناول فيه الصحفيون والإعلاميون معلوماتهم ومعارفهم وبعضا من آرائهم من على شبكات التواصل، يكون من الطبيعي أن يسود الردئ والغث، وأن يشتهر الرعاع، وأن تمتلئ كل المنافذ بما يسد شهية هؤلاء الرعاع من صغائر الأمور وحثالة الأفكار والمعارك الهامشية.
وكتب الإعلامي الأستاذ أسامة كمال الأسبوع قبل الماضي مقاله في المصري اليوم بعنوان «تصبح على خير» معلقا على غلبة الموضوعات التافهة، والمعالجات الأكثر تفاهة على وسائل الإعلام إلى درجة الإهمال الكامل أو شبه الكامل لأمور سياسية واقتصادية ودبلوماسية تجري وتجري معها مقدرات البلاد.
لا بأس بالصحافة الرخيصة «أحيانا».. لا بأس بأخبار الحمقى والمغفلين «أحيانا».. لا بأس ببعض العمل الإعلامي الأصفر بل والأحمر «أحيانا».. لكن تسييد الردئ والفاسد والرخيص يحط من شأن الصحافة والإعلام ومن شأن القارئ ومتلقي الخدمة الإعلامية معا.
فما بالك أن يسوء الحال إلى درجة تبعية الصحافة والإعلام لمزاج الجهل والانحطاط الفكري والأخلاقي، فتتحول دائرة الإعلام والتعليم والترفيه إلى دائرة جهنمية من الانحدار لا يمكن كسرها، فيختلط الضلال بالتضليل، ويشترك الجهل مع التجهيل، حتى أصبحت الأمة بأسرها تنظر إلى مصير انقراض عقلها الجمعي الوشيك.
وعندما قرر الأستاذ أسامة كمال في حلقة برنامجه التلفزيوني التالية إغفال الحديث عن أنباء الممثلة المجهولة التي تعدت على كمين الشرطة، أو عن الأزمة العكاشية، وأزمة ميدو مع رئيس ناديه، أو عن غيرها من الأمور التي تتصدر الحوار في الصحف والقنوات والبرامج وشبكات التواصل الاجتماعي، كان كمن يقود تمردا على هذه الدائرة الجهنمية التي ندور فيها.
وظني أن هذا التمرد هو البداية المنتظرة لتحرك جماعي للجماعة الصحفية تعلن فيه توقفها عن ملاحقة الجمهور، والبدء في إنتاج إعلام يلاحقه الجمهور، وتعلن فيه توبتها عن باقة الزهور التي أرسلتها لفتاة الأوسكار، وعن الكعكة التي استقبلت بها فتاة الأوسكار، بل وعن وجود فتاة الأوسكار بين ظهرانيها في الأساس، وتعلن فيه انضمامها لتمرد أسامة كمال.
تقول الحكمة الخالدة إن أحمقا واحدا يكفي لهدم العالم، وهي حكمة تحوي افتراضا ضمنيا بأن عاقلا واحدا يكفي لإنقاذ العالم، فلنستجب لحركة العقل الهادئة التي يقودها هذا الرجل العاقل، ولنستعد لمهنتنا كرامتها القائدة لا التابعة، المنشئة لا المقلدة، ولنتعهد معا بسد الفرج التي ينفذ منها السفهاء إلى قيادة الرأي العام، والتي ينفذ منها السفه ذاته إلى اهتمامات الرأي العام.