(1)
على طريقة «ألمس وامضي»، قال بطرس غالي، الكثير بين سطور كتابه «بانتظار بدر البدور.. يوميات 1997-2002»، الصادر عن «دار الشروق» مع ذلك لاتزال هناك ألغاز كثرة، طرحها وتجنب الخوض في تفاصيلها.. كما أن هناك الكثير أيضا الذي تجنبه من الأساس، وإذا فكرت في استخدام أسلوب غالى في هذا المقال، فسوف «ألمس».. لكن أشك أن «أمضى» من دون فتح الطريق للبحث عن مفاتيح لهذه الألغاز، والعثور على مداخل لكشفها، ومن أهم ما يلفت الأنظار في «القصص المبتورة» لغالى، قصة «مبارك في المصعد»، التي أطلق عليها ملك بلجيكا حادثة «الهبوط إلى الجحيم»..!
(2)
يحكي غالي القصة فيقول: في 2 سبتمبر عام 2000، استقبلنى الرئيس مبارك لدى مروره في باريس، وخصنى بمقابلة ودية دافئة، حدثته يومذاك عن النشاطات التي تنوى الفرانكفونية تنظيمها في الإسكندرية خلال أيام بمناسبة الذكرى العاشرة، لإنشاء جامعة سنجور (الرئيس السنغالي الراحل)، ولا أعرف لماذا تورطت يومها في تذكيره بقصة الهبوط إلى الجحيم، والتي تثير لديه ذكرى سيئة تضايقه و«تعكنن» مزاجه.!؟ وقد حدثت القصة قبل 10 سنوات يوم افتتاح الجامعة الكائنة في الطابقين الخامس والسادس من «برج القطن» بمنطقة المنشية بالإسكندرية، الذي يتضمن مصعدين فقط، لذلك نبهت على السلطات المعنية في المدينة، بالتأكد من أن المصعدين يعملان جيداً، ويوم الافتتاح تم الصعود بغير مشاكل، لكن أثناء الهبوط توقف المصعد فجأة، وكان يستقله عدد من الحرس، و6 من قادة الدول.. 4 رؤساء هم: مبارك، والفرنسي ميتران، والزائيري موبوتو، والسنغالي عبده ضيوف، بالإضافة إلى الرئيس السنغالي السابق ليوبولد سنجور الذي تحمل الجامعة اسمه، وولى العهد في بلجيكا، غرق الجميع في عتمة مطبقة، كأنهم في قبر لمدة تزيد على عشر دقائق، وغنى عن القول إن الأمن كان في حال اضطراب شديد، ظناً منهم، أن الحصار داخل المصعد وراءه محاولة اغتيال أو هجوم إرهابي، وبعد جهود متعجلة وضجة، وارتباك وقلق، تحرك المصعد من جديد وهبط القادة سالمين. يومها قال لي رجل من بطانة مبارك بشكل سري: «الرئيس غاضب منك جداً»، فسألته بقلق عن السبب، أجابنى وعلامات الخبث على وجهه: «بعدين.. مش هقدر أحكيلك دلوقتي».. وتركنى أسبح في أوهامى. وبعد مرور سنة على ذلك، التقيت بملك بلجيكا (بودوين الأول)، فسألنى عن الجديد في جامعة سنجور، ثم أضاف وابتسامة ذكية ترتسم على وجهه: «حدثنى ابن أخى عن حادثة المصعد، كان الأمر فعلا كالهبوط إلى الجحيم!».
وبعد مرور عشر سنوات على ذلك، عندما أشرت إلى الحادثة أمام الرئيس مبارك في باريس، تجهم، ولم يبتسم، واختصر الحديث فجأة كأنه يلومني على تذكيره بذلك «الهبوط إلى الجحيم».
(3)
لغز آخر يطرحه غالى عرضا وهو يحكى عن حفل العشاء، الذي أقامه في باريس على شرف إنريكى أجليسيوس، (ليس المغنى الشهير، لكن رئيس الجمعية الدولية للتنمية ووزير خارجية الأرجنتين الأسبق)، وفى الحفل يذكره ميشيل كامديسوس، الممثل الشخصى للرئيس شيراك والرئيس السابق لصندوق النقد الدولى بلقائه «العاصف» مع الرئيس مبارك في طوكيو، أثناء جنازة الإمبراطور هيروهيتو في يناير 1989، فيقول غالى: أذكر جيدا هذه الحادثة، خصوصا أننى قد اعتبرت مسؤولاً عن خلاف عميق بين مصر وصندوق النقد، لأنى كنت مكلفا بتنظيم هذا اللقاء!
(4)
انتظرت لما بعد الفاصل، لأتعرف على تفاصيل «اللقاء العاصف» مع مبارك، لكن الانتظار طال حتى نهاية الكتاب ولم يذكر غالي أي تفاصيل، قلبت الصفحات مجدداً بحثاً عن خيوط تكشف لي لقاء طوكيو بين رئيس ووزير في حكومته، ولم أجد، ودفعني الفضول لمزيد من البحث عن العلاقة المركبة بين بطرس غالي والرئيس مبارك، ووجدت الكثير مما يجب الإشارة إليه، لكن بعد أيام تقتضي الضرورة أن أشتبك فيها مع عدد من القضايا المطروحة على الساحة ثم نعود إلى حكايات غالي وسلطة «بدر البدور».
فانتظروا الاشتباك...
جمال الجمل
tamahi@hotmail.com