مع نهاية عام 1958 عرض للمخرج الفرنسى روجيه فاديم فيلم «وخلق الله المرأة» بطولة بريجيت باردو وكانت زوجته حينذاك، ظهرت فيه باردو في لقطة في الفيلم عارية الظهر، وكانت المرة الأولى والأخيرة، الفيلم كان يعد من أفلام الإغراء الساخنة وقتذاك، ومشهد باردو وهى ترقص على إيقاعات المامبو، حافية القدمين وبشعر متحرّر وجسد يتصبّب عرقاً، كان مشهدا يعبر عن الثورة النسائية وقمة تحررها وإعلانها بأنها تمتلك جسدها. الناقد السينمائى الأمريكى في نيويورك تايمز، بوسلى كراثير وصف المشهد بأنه قنبلة أدت إلى تدمير هوليوود وخراب أمريكا، فقد أثار سجالا واسعا، وحوكم بسببه مديرو صالات العرض في فيلادلفيا وكليفلاند وبروفيدنس وميمفيس، وانشغل مثقّفو العالم بمناقشة ظاهرة بريجيت باردو، التي اتهمها البعض بخدش حياء العالم، وكسر المناخ المتطهر التقليدى.
حين تشاهد أفلام بريجيت الآن، تبتسم من براءة الإغراء، مقارنة بالأفلام الآن، كبار مخرجى العالم يقدمون النجوم الكبار في أفلامهم في مشاهد عرى تام ومشاهد جنسية كاملة، «الستر» لم يعد له مكانته المرموقة في العالم الجديد، نبحث كل يوم في أكوام النفايات عن فضيحة، لم تعد رائحتها تزكم الأنوف بعد اختراع معطر الجو وانتشار فكرة العبوة ذات الرذاذ «البخاخة»، التي أصبحت أحد أدوات الحياة العصرية. أتذكر أبى وأنا صغيرة وهو يقف أمام المرآة بعد حلاقة ذقنه، وبحذر يميل زجاجة العطر الثمين ليضع قطرات منها في راحة يديه ثم يفركها ليمسح بها وجهه الحليق، الآن ضغطة واحدة من زجاجة العطر وفرت كل هذه الخطوات.... العالم كله يبحث عن اختراعات توفر الوقت وتقلل المجهود.... وفى النهاية نمضى هذا الوقت عبيد اختراعات أخرى.
يوم الجمعة الماضى تفجرت في البرازيل فضيحة فساد ضخمة، بطلها الرئيس السابق لولا دا سيلفا الذي داهمت الشرطة منزله وقبضت عليه، وقامت باستجوابه في قسم الشرطة، وذلك في إطار التحقيق في فضيحة الفساد الكبرى والخاصة بشركة «بتروبراس» النفطية، تقول الشرطة إن لديها أدلة تثبت أن لولا دا سيلفا استفاد بشكل غير قانوني من عمولات دفعتها له شركة البترول الحكومية في صورة هبات نقدية ومنزل فاخر. والتحقيق يضم زوجته وابنيه، وهذه الفضيحة تتطول عدد كبير من المسؤولين البرازيلين السابقين والحاليين.
لولا دى سيلفا هو أكثر الرؤساء شعبية في بلده في العصر الحديث، فلقد نجح في محاربة الفقر وإنعاش الاقتصاد بشكل غير مسبوق، وكان يعد نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2018.
مثل هذه الفضائح كانت يمكن أن تقضى على المسؤول الكبير إلى الأبد، لكن الآن أنها دليل على أن الكبار بشر مثلنا يصيبون ويخطئون، فهم شهوانيون لا يتحكمون في غرائزهم مثل كلينتون (فضيحة مونيكا لوينسكى)، أو لصوص مثل معظم حكام الدول النامية (مبارك، دنيس ساسو نجويسو الكونغو... وغيرهم كثير) متلصصون على منافسيهم مثل نيكسون (فضيحة واترجيت) كاذبون وانتهازيون مثل تونى بلير (ادعاء وجود أسلحة دمار في العراق) وساركوزى في تمويل القذافى لحملته الانتخابية، ضعفاء أمام نسائهم مثل أولاند (كتاب صديقته فاليري تريرفايلير «شكراً لهذه اللحظة»).
أي فضيحة من هذه كانت كفيلة بتدمير صاحبها، وعدم قدرته على مواجهة العالم بعدها، ولكننا نجد العكس فلم ينتحر أي منهم ولم ينبذهم المجتمع كما كان متوقعا، جميعا تلقوا صكوك الغفران ولو بعد حين من الجماهير الغفيرة التي أصبحت تتسامح مع زعماء تدرك أنهم ليسوا سوى أشخاص عاديين نجحوا في الوصول لكرسى الحكم، بالديمقراطية أو الحيلة أو بقوة السلاح، لا يتمتعون بأى عظمة وليس لهم أي قداسة.
وفى المقابل تسامح الزعماء في سخرية الشعوب منهم، ولم يعد مقبولا من أي زعيم أن يحاكم أحد بتهمة نقده أو السخرية منه، وإن أراد ذلك فعليه أن يدبر لهذا الشخص تهمة تتعارض مع قوانين البلاد، وفى البلاد النامية هناك ترزية قوانين في خدمة الحاكم، ليبسط سطوته بالقانون، ويحكم قبضته على رقاب العباد بالتشريعات.
شعوب كثيرة يائسة مازالت تنتظر قائد عظيم يخلصها من بؤسها ويخرجها من عثراتها، هذا التفكير السلفى هو بقايا الأساطير، وفكرة المخلص الدينية هذه الفكرة خلقت ديكتاتوريات عظيمات بدلا من مخلصين عظماء... وهى في طريقها إلى زوال مع بقايا العالم القديم.
فهذا المهدى المنتظر لم يعد سوى موظف يجلس فوق قمة الهرم الوظيفى يخطأ ويصيب، ويأتى الدور على غيره ليجرب جديد.
ektebly@hotmail.com