سناء الخورى تكتب: وات أباوت ذا صحافة؟

اخبار الأحد 06-03-2016 21:49

يجاهد مئات الصحفيين العرب كلّ يوم ليثبتوا، لأنفسهم أوّلاً، أنّ خيارهم المهنىّ، ما زال يحتفظ بشىء من المعنى والجدوى.

في أحيان كثيرة، يفشلون. ارتباك الصحفيّة المصريّة شيماء عبدالمنعم أمام ليوناردو دى كابريو، خلال المؤتمر الصحفى التالى لفوزه بجائزة الأوسكار الأحد الماضى، يعزّز التشاؤم بمستقبل الصحافة العربيّة كما يجرى «ارتكابها» في زمننا الراهن.

تستحقّ «عبدالمنعم» ما نالته من تقريع وسخرية خلال الأيّام الماضية، بالرغم من أنّها تستحقّ الشفقة أيضاً، وربّما بعض التعاطف، لأنّ الخطأ ليس خطأها وحدها، بل خطأ منظومة متكاملة تتغافل عن أبسط المعايير المهنيّة، وتحوّل أىّ نقد للأخطاء المرتكبة يوميّاً، في الصحافة المرئيّة والمكتوبة على السواء، إلى «مسألة عداوات شخصيّة». لم تخطئ «عبدالمنعم» لأنّها لا تجيد اللغة الإنجليزيّة. كلّنا معرّضون لنبدو أحياناً أقلّ ذكاءً وتمكّناً حين لا نتحدّث بلغتنا الأمّ. أخطأت «عبدالمنعم» حين لم تقم بعملها كما يجب، وحين فشلت في طرح سؤال مفهوم، وذلك من أبسط ما يحتّمه الخوض في مهنة الصحافة.

أخطأت حين خاضت مع صحيفتها في حملة تبريرٍ لما حصل، تضمّنت ادعاءات مضحكة بتحقيق إنجاز مهنىّ كبير، وبلغت حدّ الدعوة المبطّنة لشكر الصحفيّة على إيصالها صوت الصحافة العربيّة إلى هوليوود. أين الإنجاز المهنىّ في تغطية حفلة جوائز سنويّة باتت أخبارها تنتشر لحظة بلحظة على «تويتر»؟ أين الإنجاز المهنىّ في طرح سؤال مفكّك على ليوناردو دى كابريو في مؤتمر صحفىّ يحضره مئات الصحفيين من كلّ دول العالم، والتعاطى مع ذلك كـ«انفراد»؟ وكيف يكون ذلك «سبقاً»، في وقت كانت كلّ كاميرات العالم مثبّتة على وجه بطل «المنبعث» احتفالاً بأوسكاره المنتظرة؟ ولماذا على الصحافة العربيّة أن تشعر بالامتنان لوجود من يمثّلها في هوليوود؟ مجرّد طرح الأسئلة السابقة كموضوع للنقاش والأخذ والردّ، كما حصل خلال الأيّام الماضية، أمر يختصر الدرك الذي وصلت إليه معاييرنا المهنيّة. مجرّد التفكير بتبرير المشهد المحزن لصحفيّة غير كفوءة، حوّلت نفسها إلى أضحوكة، يقول الكثير عمّا باتت الصحافة العربيّة تمثّله من فشل، وترهّل، وخروج تام عن الزمن ومتطلّباته، وافتقاد للموهبة والقدرة على التجديد. عند النقاش في معايير المهنة عربيّاً، كثيراً ما تجرى الإحالة إلى أمثلة يحتذى بها في الصحافة الأجنبيّة. تعزّز المؤسسات الصحفيّة العالميّة من ثقافة الكفاءة، إلا أنّها تعانى بدورها من أزمات تهدّد وجودها.

الخوض في المقارنات، ليس زاوية مجدية للبحث في شؤون القاع الذي بلغته صحافتنا العربيّة. مستقبل المهنة كمهنة، نقاش عالمىّ، ولا يرتبط بجنسيّات. لكنّ المقارنة أحياناً قد تكون مفيدة، خصوصاً على مستوى ثقافة المحاسبة، ومفهوم التعاطى مع الخطأ وكيفيّة تجنّبه. الخطأ في الصحافة أمر وارد جدّاً، بدءاً من الأخطاء البسيطة في كتابة أسماء العلم، أو الأخطاء الطباعيّة والإملائيّة، وصولاً إلى الخطايا في تحوير أحداث وأرقام، أو الكذب المتعمّد، أو السرقة الأدبيّة. قد تنتج الأخطاء عن خلل في دورة العمل لناحية مرحلة المراجعة أو التدقيق، أو قد يكون الخطأ فرديّاً، حين يكلّف أحدهم مثلاً بمهمّة لا تتناسب مع كفاءته، ويرفض الاعتراف بأنّه غير مهيّأ لها، بفعل المنافسة الشرسة ربّما، أو لعدم وجود الكثير من الفرص المهنيّة، أو لمجرّد الغرور والادّعاء. ولأنّ كلّ ذلك وارد، تخصّص معظم الصحف الأمريكيّة والبريطانيّة العريقة زوايا لتصويب الأخطاء، في تقليد انتقل إلى مواقعها الإلكترونيّة.

وفى حالة الأخطاء الفضائحيّة، يطرد الشخص المعنىّ، كما حصل أواخر شباط الماضى، حين استغنى موقع «وايرد» عن صحفىّ أثبت التحقيق سرقته مقالات من آخرين. والعام الماضى، أزاحت شبكة «إن بى سى» الأمريكيّة نجمها براين وليامز عن الشاشة بعد اكتشاف كذبه بشأن تغطيته حرب العراق في عام 2003. أمّا نحن، فعلينا أن نشكر شيماء ونتعاطف معها لأنّها وضعت نفسها في موقف تافه خلال حفلة الأوسكار. وعلينا أن نشكر مثلاً بعض مراسلى المحطّات التليفزيونيّة اللبنانيّة على حسّهم التجديدىّ والتحديثىّ، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بالتقاط «سيلفى» مع السياسيين في كلّ مناسبة، أو الخروج من مجارى الصرف الصحىّ، أو إنجاز تقرير مضحك وسريالى عن المخلوقات الفضائيّة، أو تسريب أخبار غير مدقّقة من مصادر مجهولة..

وعلينا أن نغضّ النظر عن آلاف السرقات الأدبيّة للمقالات، وثقافة انسخ وألصق، لأنّ «عصر السرعة» يتطلّب منّا المواكبة مهما كان الثمن. قد لا تحتمل أزمة «وات أباوت ذى أوسكارز» أن نعيد بسببها النظر في حال الصحافة العربيّة. ليست الحادثة أكثر من مؤشّر يضاف إلى مؤشّرات أخرى، تثبت أنّ الأفق بات يضيق أكثر فأكثر أمام أىّ طموح لصحافة عربيّة سبّاقة، ومتجانسة مع روح العصر، وغير منفصلة عن هموم الناس، وقادرة على تطوير أدواتها وخطابها بما يتناسب مع منصّات الإعلام الحديث. يرى الكثيرون في ذلك الطموح ترفاً في منطقة يدمّر فيها الإنسان، وينخرها التطرّف والعقليّات المتحجّرة، ويسجن أدباؤها بتهم «خدش الحياء».. لكنّ الصحافة لم تعد تمتلك خيارات أخرى كثيرة للصمود.

نقلا عن السفير اللبنانية