.. وماذا بعد رحلات الرئيس

عباس الطرابيلي الأحد 06-03-2016 21:49

أتصور أن يعقد الرئيس - بعد أن عاد بالسلامة من رحلته الآسيوية - اجتماعاً عاجلاً يحضره كل المسؤولين الذين رافقوه فى رحلته للدول الثلاث: كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية، من الوزراء ورجال الأعمال والسكرتارية، ليناقش معهم تفاصيل كل ما جرى خلال هذه الرحلة.. وأن يسجلوا - إن كانوا لم يفعلوا - كل ما دار فيها.. حتى فى الشوارع وما شاهدوه، وتابعوه من نشاط.. حتى ولو كان مجرد زيارة لمدرسة حضانة.. فهذه المدرسة - مثلاً - لم توضع فى برنامج الزيارة اعتباطاً.. وأن يتم تفريغ كل ذلك.. ليس فقط بالأموال.. ولكن بالأفكار والأفعال.. لكل صغيرة وكبيرة.

يتم تفريغ كل ذلك.. لتتحول - هذه الملاحظات - إلى برامج عمل سواء العاجل منها، أو ما يحتاج إلى وقت أطول.. كل فى مجاله.. وبالذات كل المشاهدات التى تبدأ من سلوك الناس فى الشوارع إلى ما يجرى فى معاهد العلم.. والمصانع، ثم يطرح كل ذلك على مجلس الوزراء.. ليتولى كل وزير وكل وزارة تنفيذ ما يخصه من هذا البرنامج.. وتحويله إلى واقع ملموس.. يلتزم به الكل.. ومعهم بالطبع رجال الأعمال.. فالهدف هو الاستفادة المثلى من كل ما شاهدوه.. وهذا بالطبع هو أهم أهداف هذه الزيارات، وغيرها..

على أن تظل هناك لجنة عليا - من داخل مجلس الوزراء - مع متابعة مستمرة ودائمة من الأجهزة التنفيذية العليا برئاسة الجمهورية، حتى لا يقول الناس - كما تعودوا فى السابق أن يقولوا - سافر الرئيس.. عاد الرئيس.. فماذا استفدنا من هذه الزيارات؟! بشرط تفعيل عمل هذه اللجان «العملية»، خصوصاً أننا تعودنا على المثل القائل «إذا أردت أن تقتل مشكلة.. كوّن لها لجنة» لأن اللجان هى مقبرة لكل شىء!! وأن يظل عمل هذه اللجان مستمراً.

وأتذكر هنا - وكنت أعمل بالخليج زمان - أن رأيت أشخاصاً من اليابان يتابعون اختياراتى من المشتريات.. وسألونى: لماذا تركت هذه السلعة.. واخترت تلك الأخرى.. ولما سألت قالوا لأننا مكلفون من بلادنا بدراسة أسواق المستهلكين لنعرف ماذا يحبون.. وعن ماذا يبتعدون، ثم نعود إلى بلادنا ونقدم لمصانعنا أسباب الإقبال على سلعة.. وأسباب الابتعاد عن أخرى.. لكى نلبى رغبات، بل طلبات المشترين.

وعلى كل مرافقى الرئيس أن يقدموا لنا عناصر التقدم التى شاهدوها فى اليابان مثلاً، وينقلوا لنا بالتفاصيل كل ذلك فى شكل «روشتة علاج ضرورية» لكى نتقدم.. ونلحق بهم وفى مقدمتها بالطبع: الانضباط والدقة فى العمل.. والتدريب الجيد والكفاءة، وليس الولاء.. ثم فى المقدمة: قيم العمل الرفيعة والعمل الجماعى.. ولا ننسى: الثواب والعقاب.. ومع كل ذلك التعليم الراقى.. وبالذات التعليم الفنى عالى المستوى.. والتعليم العالى، لمن يملك مقومات التقدم من الطلبة.. وحسب احتياجات السوق.. سوق العمل، وليس سوق الوظيفة الميرى، الذى هو آفة كل المصريين!! وهنا يجب أن نعرف الفرق بين الموظف اليابانى.. والموظف المصرى، والعامل هناك.. والعامل هنا، وأن نتذكر أن الإجادة والدقة كانتا من أهم مميزات العامل المصرى.. زمان، أيام الأسطوات.. وكم أتمنى أن يكون فى مقدمة توصيات هذه اللجان، التى أطالب بها، أن يشرحوا لنا أنهم «هناك» يطبقون سياسة أهل الخبرة والمعرفة.. ولا يعترفون بسياسة أهل الثقة.

والدقة والإجادة وحب العمل هى أبرز مقومات نجاح التجربة اليابانية وكذلك التجربة الألمانية.. حتى إننا نسمع عند شراء المنتجات هذه وتلك: يا عم خدها.. دى ألمانى.. أو دى يابانى.

■ وأتذكر هنا فيلم «الملاك الأزرق» للنجم الألمانى الأصل، جورج جورجينز، الذى كان أهل قريته يضربون به المثل على دقته وتفانيه فى العمل.. إلى أن وقع فى الحب فتغيرت أحواله حتى صار يذهب إلى المدرسة - يحث يعمل - متأخراً.. وعندما رآه الجيران لم يقولوا إنه تأخر.. بل قالوا إن ساعاتهم هى التى أصابها الخلل.. وليس هو.. وأسرعوا لضبط عقارب هذه الساعات حتى لا يفقدوا ثقتهم فى دقة مواعيد الرجل.

وكان هذا درساً يعظم قيمة العمل والدقة فيه.. وهذا هو ما ينقصنا بالضبط.