أيها الشعراء غنّوا وأسجنوا!

فاطمة ناعوت الأحد 06-03-2016 21:49

«إذا أردتَ ألا ينتقدكَ أحدٌ: لا تعملْ، لا تتكلمْ، وكنْ لا شىء». لا شك أن برنارد شو كان يسخر كعادته حين قال العبارة السابقة. لكنّ ما قاله عينُ الجِد، وقلبُ الصواب. دعنا نسميه: «مانيفستو الغياب». من يرِد «ألا» يكون موجوداً، فليصمتْ للأبد. فلا نراه، ولا نؤاخذه، ولا نسجنه. تذكرون قصة سقراط مع تلامذته؟ بعد الدرس، عاتب تلميذٌ أستاذَه: «لماذا لم توجّه لى كلمة واحدة اليوم أيها المعلّم؟!» فقال له الفيلسوف: «لكننى لم أرك. فى المرة القادمة تكلمْ حتى أراك». هذا «مانيفستو الحضور».

وإذن، أيها الشعراء أمامكم نجدان: الحضور أو الغياب. الكلام أو الصمت. اختاروا ما تشاءون من كلا الدربين، واعلموا أن لكل درب فاتورة. فتشوا فى جيوبكم النفسية لتتأكدوا أنكم تمتلكون ثمن اختياركم.

فاتورة الغياب يسيرة. فأنتم فى مأمن من الخطر. سوف تعيشون فى أمان تأكلون وتشربون وتتناسلون وتنامون ملء جفونكم عن شواردها. لكنكم غير موجودين. لو طرأت فى بالكم فكرة، إياكم أن تتجاوز رؤوسكم. فإن وقفت على ألسنتكم ابتلعوها فورًا وأطبقوا شفاهكم ولا تنطقوا. ولا تنسوا أنكم غائبون، والغائب لا يتكلم. ثمن بخس؛ لأنكم ستنعمون بحريتكم فلن تُسجنوا ولن تُكفّروا ولن تطاردكم اللعناتُ من حناجر الأشاوس الذين يزعمون أنهم ظلالُ الله على الأرض، ومستحيل أن تصيبكم رصاصة أو طعنة خنجر أو نفى إلى بلد غريب.

أما لو اخترتم الطريق الوعرة: «طريق الحضور»، فلا أضمن لكم شيئًا مما سبق من رغداء العيش و«البُلَهْنِيَة» وهى منتهى الرخاء، حسب معجم لسان العرب.

بعد الحكم بسجنى ثلاث سنوات بسبب تغريدة أشفقتُ فيها على تعذيب الحيوان أثناء ذبحه على غير منهج الذبح الإسلامى الرحيم، قال «مفيد فوزى»: «لو فاطمة ناعوت اتسجنت هاخاف، وأنا مش عاوز أخاف». كان يقصد أنه سيخاف أن يفكر بحرية ويتكلم بحرية. فكم واحدًا من الكتاب والشعراء سيخافُ أيضا؟

خذ عندك مثلًا حيًّا. بالأمس قرأتُ فى إحدى الصحف الخبر التالى: مجلس الفكر الإسلامى فى باكستان يرفض قانونًا جديدًا يُجرّم العنف ضد المرأة، واعتبروه خروجًا على الإسلام. وقال محمد خان شيرانى، رئيس المجلس فى مؤتمر صحفى: «إن هذا القانون يتعارض مع الدستور الباكستانى ويجعل الرجل يشعر بعدم الأمان».

قبل أن تتهوّر أيها القارئ الكريم وتغضب لأمك وأختك وزوجتك وزميلة عملك من هذا الرأى الغريب، تحسس جيبك وتأكد أولا أنك تمتلك ثمن اعتراضك، وإلا حجزنا لك الزنزانة المجاورة لزنزانتى. أنا شخصيًّا سأعترضُ مطمئنةً. ليس فقط لأن الشاة لن يضيرها سلخُها بعد ذبحها، باعتبار أن حكم سجنى من المحتمل أن يتأكد فى جلسة الاستئناف نهاية هذا الشهر، ولكن لأننى اخترتُ طريق «الحضور» رغم فاتورته الضخمة. أنا مؤمنة بالله وأحبّه، ولهذا أعتزُّ بهداياه لى. ومن ضمن تلك الهدايا عقلٌ يفكر. يصيبُ ويخطئ. ولسانٌ لا يهاب قول الحق مهما كان ثمن ذلك.

سألتنى صحفية فى معرض الكتاب: «بماذا تنصحين الشعراء بعد الحكم بسجنك؟» فقلتُ: «اكتبوا ما تشاءون وادخلوا السجن مطمئنين. تجنبوا أمورا ثلاثة جرّمها دستورُ بلادكم الجديد: التحريض على العنف، إشاعة العنصرية، الخوض فى الأعراض»، ودون ذلك اكتبوا ما تشاءون لأن الدستور يحميكم. أما قانون ازدراء الأديان المضحك، فمآله إلى زوال لأنه مخالف للدستور وللمنطق وللثورة، ومخالف أيضا لمشيئة الله الذى منحنا الحرية والإرادة. ومع هذا، لا أضمن لكم ألا تُسجنوا، إن طرحتم أفكاركم. أيها الشعراء: غنّوا، لأننى سأغنى. سأُغنى رغمَ النِّصالِ تتحلّقُ حولَ جسدِى من كلِّ صوب، مثل ذِبحٍ لا يقدرُ أن يقولَ: أحسِنوا الذَّبحَ يا جماعةَ الخير. فأنتم تجعلونَ السماءَ تبكى!

Twitter: @FatimaNaoot