عالم جديد...أبل تتمرد (1)

مي عزام السبت 05-03-2016 22:35

يبدو أن العالم الذي نعرفه ينهار بأسرع مما نتصور، لكن للأسف نحن مازلنا متعلقين بالماضى وبتصورنا عن العالم القديم الذي نعتبره الحقيقة المطلقة وما عداه مجرد ظلال لها .

أنا ومن هم أكبر منى سنا ،أجيال تربت على أهمية الكلمة المكتوبة، عبارة «قرأته في الأهرام» كانت كافية لتدليل على المصداقية، حينها لم نكن نشك في عالم الكبارالذين لم يكن مسموح لنا بالاقتراب من اسواره العالية،المحصنة بالاحترام والتبجيل والأسرار،دكت الأسوار وسرقت البوابة الحديدية المهيبة، كما أصبحت لافتة«منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير» تثير السخرية بعد وجود خرائط جوجل ارث.

هذا العالم الذي عشته وجيلى ينهار،الصحف الورقية التي ظننتها إمبراطورية لاتغيب عنها الشمس، تتقلص كما حدث مع بريطانيا العظمى ،أعداد القراء والصحف ينحصر يوما بعد يوم في العالم المتقدم ومصرايضا ،المواقع الاكترونية ترث الامبراطورية الورقية، كما حدث مع الدولة الفتية «أمريكا»التى ورثت نفوذ ما قبلها من إمبراطوريات كبرى.

العالم الرقمى يفوز بالضربة القاضية ،ويفتح أمامك أبواب عالم افتراضى لامتناهى الاتساع وبلا حدود،أرقام تستعصى على العد والحصر، عالمنا القديم يشيخ ويجف كأوراق الخريف التي نمر عليها بأحذيتنا البالية.

عالم بلا أسرار، نعيش فيه كأسماك الزينة في حوض زجاجى سعة الكرة الأرضية، قراصنة الانترنت يتفوقون على قراصنة الكاريبى وعالمهم الأسطورى .

الدول اصبحت تستجدى الشركات العملاقة العاملة في عالم الانترنت والاتصالات لتفتح أبواب مغارة على بابا ،على بابا لم يعد وحده يملك كلمة المرور السرية، «الباسورد» لم يعد ملك صاحبه، ولم يعد الذهب والمرجان والياقوت هم الكنز الموعود، لكن المعلومات ..والمعلومات ومزيد من المعلومات .

في سابقة خطيرة لجأ مكتب التحقيقات الأمريكى (الأف بى آى )إلى القضاء ليلزم شركة «أبل» بوضع برامج جديدة تعطل التشفير الذي يحمي جهازها بما يسمح بالدخول إلى آيفون ومراقبة مستخدميه بعد حادث سان برناردينو الإرهابى .

مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين حذر من أن «نجاح القضية المرفوعة ضد أبل في الولايات المتحدة سيرسي سابقة تجعل من المستحيل على أبل أو أي شركة كبرى أخرى عاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات أن تحمي خصوصية زبائنها في أي مكان من العالم».

ولكن هذا التحذير ليس له أي قيمة، المنظمة الأممية أصبحت تستجدى التعاون ولاتستطيع ان تفرض رأيها أو رؤيتها .

مكتب التحقيقات الفيدرالي طلب من أبل مساعدته في فك شفرة موبايل الامريكى المسلم الذي اعتنق الفكر المتطرف وقتل مع زوجته 14 شخصا في سان برناردينو في كاليفورنيا في ديسمبر الماضى.لكن أبل كررت رفضها الانصياع لمطالب الحكومة الأميركية وقالت إن إجراء مثل فك شفرة آيفون سيكون سابقة خطيرة ويعرض خصوصية المستخدمين للخطر وكذلك سمعتها كشركة استطاعت ان تحافظ لعملائها على خصوصية لا يحظوا بها مع أي موبايل آخر يسهل اختراقه.

صحيفة لوموند الفرنسية علقت على الموضوع الذي وصل للبرلمان الفرنسي،حيث اثيرت هذه القضية خلال مناقشة مشروع قانون مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب ومصادر تمويلهما في اطار طرح تعديلات لإجبار عمالقة الإنترنت للتعاون أكثر مع قانون الدولة.

الدول تواجه الشركات العملاقة العابرة، تطلب مايملكوه من ثروات معلوماتية عن ملايين البشر الذين يتعاملون كل ثانية عبر قنواتهم، بكامل إرادتهم يتنازلون عن خصوصيتهم ويوافقون على الشروط قبل أي تحديث لاجهزتهم الإليكترونية أو الاشتراك في تطبيق جديد.

النائب الفرنسي إيريك سيوتى حذر من إنشاء عمالقة الإنترنت «مناطق خارجة عن القانون»، تعبير مذهل، وسيوتي اصر على ضرورة بعث رسالة قوية لشركات الإنترنت وإعادة تأكيد سيادة الدول الديمقراطية ( !!!)، والنائب الفرنسى أقترح ثلاثة تعديلات تجري مناقشتها، تهدف لإرغام عمالقة الإنترنت، مثل آبل، لتوفير المعلومات الضرورية للسلطات في التحقيقات المرتبطة بالأعمال الإرهابيّة، كماصرح وزير العدل الفرنسى جان جاك أوروفاس: «أن الحكومة قادرة على الحصول على أي معلومات ترغب بها»...ولكننى اعتقد العكس، لقد توغلت هذه الشركات وأصبحت لها منظومتها الخاصة، والحرب الدائرة تستعدى تذكر سلسلة أفلام الماتريكس.

هل هذا هوالعالم الذي أعرفه،حيث كانت الدولة تملك زمام كل شىء، واجهزتها تتلاعب بالمواطنين كما تشاء ورئيسها آلهة يحى ويميت كفرعون موسى .

لاتفكر فينا فنحن جزء منسى من العالم، وما يحدث مع توفيق عكاشة وأمثاله ،أدوات ضغط قديمة في مجتمع مازال أجواء فيلم«اندر جراوند».

عالمنا لاتملك فيه إلا جسدك ظاهريا ،أما عقلك فهو منفعة عامة تشترك فيها مع الآخرين ...

والحديث متصل في مقال الغد بإذن الله.

ektebly@hotmail. com