3 بدويات يحكين وقائع الزواج والطلاق فى «القبيلة» بمطروح.. والأبناء يدفعون الثمن
فتيات فى عمر الزهور يخرجن من «بيت العيلة» بكلمة، ويعدن إليه مطلقات بكلمة أخرى. نساء تزوجن بأمر القبيلة، وطلقن بـ«مزاج الزوج»، ليبدأن رحلة العذاب، بحثا عن «ورقة رسمية» تثبت ما جرى باسم العرف القبلى. ذلك هو حال المرأة البدوية المحرومة من حقها فى توثيق أوراقها الشخصية.
ووفقا لإحصائيات مكتب المجلس القومى للمرأة بمحافظة مطروح والصادرة عام 2005، بلغت أعداد المطلقات، اللاتى لديهن ورقة عرفية بالزواج والطلاق 3080 مطلقة، وهذا العدد لم يتم استخراج بطاقات الرقم القومى لهن حتى عام 2008 لعدم قدرتهن على إثبات الطلاق رسميا، كما أنه مازالت نسبة الزواج غير الموثق مرتفعة بسبب الموروث الثقافى بين القبائل وذلك لارتفاع تكلفة وثيقة الزواج إلى ما يقرب من 400 جنيه، مما يؤدى إلى عزوف الرجال عن توثيق الزواج.
فى هذا الملف، تحكى 3 من ضحايا «دستور القبيلة» عن مآسيهن، فلا قسيمة زواج، ولا ورقة طلاق، ولا نسب للأطفال ولا حتى فرصة للزواج مرة أخرى بشكل رسمى. فى هذا الملف، ترصد «المصرى اليوم» وجها آخر من وجوه المرأة المصرية مهضومة الحقوق، سواء كانت فى قلب العاصمة أو على أطراف الدولة والقانون.
كريمة: البنت عندنا بتتجوز بكلمة وتتطلق بكلمة.. وعيب حد يكتب «ورقة»
«لو الزمان رجع بيّه كنت اتمنى ان أهلى يسمحولى انى أكمل تعليمى واشتغل، أكيد كنت حعرف اختار الزوج المناسب»، كلمات «كريمة» القليلة كانت كفيلة باسترجاع الكثير من الذكريات المؤلمة، التى مازالت تنغص عليها حياتها حتى اليوم.
كريمة سليمان، لم تتجاوز الثالثة والثلاثين من عمرها، لكن قصة حياتها كانت كفيلة بتحويلها خلال سنوات قليلة إلى امرأة فى الستين، فهى ضحية للزواج القبلى، الذى لم يعد مناسبا لظروف العصر الحديث.
تقول «كريمة»: «عمرى ما تخيلت انى أول مرة أخرج من البيت.. حروح المحكمة عشان احاول أثبت زواجى وطلاقى»، حرمت «كريمة» من التعليم والخروج من البيت إلا فى حالات الضرورة القصوى تحت دعوى التقاليد والخوف من كلام الناس.
أخفى النقاب ملامح وجه «كريمة»، لكن عينها لم تخل من الحزن خاصة عندما بدأت تحكى قصة زواجها، التى بدأت وهى لم تكد تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها من أحد أفراد عائلتها، الذى كان فى ضعف عمرها، لم يهتم أحد برأيها وحتى لو كان والدها انشغل بسؤالها عن رأيها، فهى لم تكن إلا طفلة صغيرة غير قادرة على اتخاذ أى قرار حاسم فى حياتها.
تقول «كريمة»: فى عرفنا البنت بتروح بيت جوزها بكلمة، وبتتطلق وبترجع بيت ابوها برضه بكلمة.. والإشهار ان الناس اللى حواليهم يعرفوا وخلاص.. كانوا بيقولوا عيب راجل ياخد من التانى ورقة.. لكن فى الزمان ده وبعد اللى شفته بقول: ماعيبش».
اتفق والدها مع خطيبها على إتمام الزواج على أن يتم توثيقه فيما بعد، إلا أن الخلافات بدأت تدب بينها وبين زوجها بمجرد الزواج لسفره فترات طويلة، كانت تقيم مع أهله ولديها طفل عمره شهران، ولم يتدخل أهلها إلا عندما طلبت الطلاق.
«أهلى طلبوا منه يطلقنى رسمياً، لكن كانت هناك مشكلة عدم وجود وثيقة زواج أصلا، فطلقنى عرفى».
عادت «كريمة» إلى بيت أهلها، حاملة طفلها، الذى لم يكمل شهره السادس بعد، ومعه عبء تربيته وتعليمه، لتختفى العادات والتقاليد، تاركة لها المسؤولية الكاملة عن الاهتمام بوليدها، وحيدة دون مصدر دخل ودون أن تكفل لها الحصول على أدنى حقوقها الشرعية لأن الطلاق العرفى لا يجعل لها أى حقوق مادية.
سمعت «كريمة» وقتها عن معاش المطلقات، الذى لا يتجاوز 125 جنيهاً شهريا، «حقيقى مش حيغطوا احتياجاتى الأساسية بس مكنش قدامى غيرهم»، هكذا قالت «كريمة»، التى اكتشفت أن هذا المعاش لا يصرف إلا ببطاقة الرقم القومى فى حين لم يكن معها إلا بطاقة ورقية، ولتتمكن من إصدار بطاقة رقم قومى لابد أن يكون معها قسيمة طلاق لتدون كلمة «مطلقة» فى خانة الحالة الاجتماعية، وهو ما يستلزم بالضرورة وجود قسيمة زواج لتدور «كريمة» فى حلقة مفرغة لا تنتهى.
الكثيرات من البدويات يقعن فى تلك الدائرة المفرغة ويحاولن الخروج منها بكتابة «آنسة» فى خانة الحالة الاجتماعية، رغم أنهن مطلقات وهو ما لم تستطع كريمة فعله ليس فقط لأنه يعد تزويرا يمكن أن تدخل بسببه السجن، لكن لأن لديها طفلاً سيحتاج إلى إثبات نسبه إلى أمه، بالإضافة إلى إثبات نسبه لأبيه لعدم وجود قسيمة زواج. وتضيف «كريمة»: «ده غير المشاكل اللى كانت هتقابله للحصول على شهادة تأدية الخدمة العسكرية أو شهادة الإعفاء منها- لأنهم بيطلبوا القيد العائلى ووثيقة زواج الأب والأم وحياته حتقف».
يزداد صوت «كريمة» أسى وهى تتذكر المعاناة كاملة، قائلة: «مكانش فيه مفر، كان لازم يتم توثيق الجواز والطلاق، وجوزى متعنت فى التوثيق وبيماطل فيه، لأن الطلاق الرسمى كان هيخليه يدفع لى مستحقاتى المادية الشرعية، وهو مش قادر وعمره ما هيطلق ودّيا»، لجأت «كريمة» للمجلس القومى للمرأة، الذى رفع لها قضية، لتبدأ سلسلة جديدة من المعاناة فى المحاكم استمرت أكثر من سنة، تقول: «كنت وقتها لسه بخاف من نظرة الناس وكلامهم عن الست اللى خرجت من بيتها للمحاكم عشان تقاضى طليقها أبو ابنها وابن عمها، كنت هضعف وأتراجع، لكن مستقبل ابنى كان عندى أهم من أى حد ومن أى كلام وهما مش فاهمين ولا حاسين ولا فى رقبتهم مسؤولية طفل لسه بيفتح عينه على الدنيا وأول ما يشوف هيلاقى أمه واقفة فى المحكمة قدام أبوه عشان تثبت أنها اتجوزته».
تزوج طليقها بأخرى وبدأ حياة جديدة وتجاهل القضية ولم يحضر جلسة واحدة وقبل الجلسة الأخيرة لنطق الحكم، تأكد أنها ستكسب القضية، فعرض عليها الطلاق الرسمى، مقابل التنازل عن كل مستحقاتها المادية الشرعية، والتنازل عن القضية، ووافقت «كريمة» فورا لأن كل ما كان يهمها هو الحصول على ورقة توثق زواجهما وأخرى تثبت طلاقهما.
«كتير عرضوا عليه الجواز وكنت برفض لأنى معنديش ورق رسمى يثبت زواجى وطلاقى، وكنت حضطر اتجوز تانى عرفى ومن غير ورق رسمى، وبعد ما مشكلة الورق اتحلت، مقدرتش اسيب ابنى قبل ما يكبر واشوفه حاجة كبيرة حتى لو دفعت عمرى ثمن لده»، هكذا قالت «كريمة» وهى تفتخر بابنها، الذى نجحت فى تربيته حتى وصل إلى المرحلة الإعدادية ويعمل فى الوقت نفسه. قسوة التجربة التى مرت بها «كريمة» وأخذت من عمرها 15 عاما جعلتها تردد دوما على مسامع كل بنت مقبلة على الزواج: «إوعى تتجوزى من غير توثيق لأن التقاليد مش حتحميكى لو جوزك غدر بيكى، وأول حاجة كنت بحارب عشانها أنا وأهلى هى توثيق زواج أختى الصغيرة».
وردة: طلقنى «عرفى» بسبب غيرته من حصولى على «دبلوم التجارة» ولأنى «فتحت الشباك»
كأغلب فتيات البدو تزوجت وردة دون أن ترى وجه زوجها، اكتفت وقتها بتأكيدات أختها أنه وسيم إلا أنها فوجئت بعد زفافها بأن زوجها لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية، ولم يكن يهمها فى واقع الأمر درجة تعليمه إلا أنه كان يسارع بإشهار هذا الكارت فى وجهها فى كل مشاجرة لتظهر عقد النقص «إيه يعنى معاك دبلوم تجارة أديكى اتجوزتى وبقيتى تحت طوعى» تلك الجملة التى كان لا يسأم من ترديدها فى أى خلاف ينشب بينهما.
فلم يكد يمر شهران على زفافهما إلا وأطلق فى وجهها يمين الطلاق لمجرد أنها تجرأت وفتحت الشباك دون أن تستأذنه «كان عصبى جدا وبيغير عليا قوى» ولكنه سرعان ما راجع نفسه وردها إلى عصمته بعد يومين.
يمين الطلاق الثانى كان أسرع من الأول حيث طلبت منه أن تزور أهلها الذين لم تذهب إليهم منذ أكثر من 5 شهور فرفض فكانت الطلقة الثانية ثم الثالثة التى لم تختلف فى أسبابها عن السابقتين.
«كان حاسس طول الوقت بالنقص ومش عاوز أى حد يقربلى ولا يكلمنى وحاول يرجعنى بس أنا رفضت».
تزوجت وردة وطلقت وأنجبت 3 فتيات دون أن توثق زواجها ولا طلاقها، وتعنت زوجها حينما طلبت منه توثيق الزواج والطلاق ليمنعها من الزواج بآخر.
وفى الوقت الذى أرادت فيه الزواج، أصر زوجها الثانى على توثيق عقد زواجهما إلا أن الكثير من العقبات كانت أمامهما أولها أنها لا تمتلك ورقة زواج ولا طلاق من زوجها الأول ولتحل تلك المعضلة عرض عليها المأذون أن تكتب فى عقد الزواج أنها «بنت بنوت» ولكنها رفضت خوفا من التعرض للمساءلة القانونية لأن شهادات ميلاد بناتها تحمل اسمها فى خانة الأم.
أما إذا قررت أن تتزوج قبليا كما كان الحال فى زواجها الأول، فيمكن أن تمثل أمام المحكمة بتهمة الجمع بين زوجين إلا أنها مطمئنة بأن طليقها لن يتجرأ على رفع دعوى تعدد أزواج ضدها لأن القانون القبلى يعترف بزواجها وطلاقها ولا يستطيع طليقها أن ينكر ذلك وإلا تعرض لعقاب القبيلة.
«جوزى بيقولى خايف أى مخبر ييجى ياخدك، ويقولى الست دى تقربلك إيه» قالت وردة مؤكدة أنه لولا تفهم والدها لما استطاعت أن ترفع قضية لإثبات زواجها وطلاقها الأول.
وأن زوجها الثانى كان حريصا على توثيق الزواج لإثبات حقوقها وحقوق أولادها خاصة أنها تنتظر ابنها الأول منه «أول حاجة فكرت فيها إزاى أضمن حق ابنى اللى لسه مجاش للدنيا».
سليمة بعد 10 سنوات من وفاة زوجها.. رحلة البحث عن «ورقة طلاق» مع 7 أبناء
تبدو سليمة عوض (46 سنة) مثالاً حياً لتلك المرأة البدوية فهى أمية لا تجيد القراءة ولا الكتابة تقيم فى ضواحى مطروح بعيدا عن أى مظاهر للمدنية، لا تعرف شيئاً عن الحياة خارج حدود بيتها، لا تعرف تاريخاً لميلادها ولا لميلاد أبنائها، ما تدركه جيدا هى السنة التى توفى فيها زوجها تاركا خمس فتيات وولدين دون أى أوراق رسمية تثبت زواجهما.
لم تكتشف سليمة حجم المشكلة التى أوقعها فيها زوجها بعدم توثيقه لعقد زواجهما إلا بعد أن تقدم ابنها الأكبر لتأدية الخدمة العسكرية فطلب منه «القيد العائلى» الذى يتضمن قسيمة زواج والديه تلك الورقة التى لا تملكها ولم تكن تدرك يوما أهميتها.
للمرة الأولى التى تخرج فيها سليمة من بيتها الذى يبعد 10 كيلومترات عن مدينة مطروح، تضطر إلى إجراء تصديق على الزواج لإثبات صحة زواجها من زوجها المتوفى بحيث تضمن صدور قسيمة زواج التى يحتاجها ابنها فى أوراق الخدمة العسكرية.
وفى مثل تلك الحالات التى تحاول فيها الزوجة إثبات الزواج بعد وفاة الزوج تترك القضية لتقدير القاضى الذى قد يتفهم وضع البلد وانتشار الزواج القبلى ويقبل بشهادة الشهود أو يرفض الدعوة.
ومن مهمة إثبات الزواج إلى إثبات النسب، حيث رفعت سليمة قضية أخرى لتثبت نسب ابنها الأصغر الذى ولد بعد وفاة والده بـ45 يوماً إلى أبيه من خلال إثبات أن واقعة الحمل كانت قبل وفاة الزوج ووجدت سليمة نفسها بعد فترة ليست بالطويلة مطالبة بإثبات نسب الطفل لها أيضا بسبب خطأ موظف الصحة أثناء تحريره شهادة ميلاد الطفل فى كتابة اسم جد الأم وبالتالى لم يعترف بنسبه لأمه أو لأبيه.
تخفى سليمة حرجها من التردد على المحاكم وراء نقابها الذى تتنفس منه بصعوبة بعد إصابتها بحساسية فى الصدر «نفسى أرتاح من مشوار المحاكم محروجة من الناس، بس هما عارفين إنى بجرى على ورق عيالى لازم أطلع قسيمة زواج قبل ما أموت عشان أضمن حق أولادى» قالت سليمة التى حرصت على توثيق عقد الزواج الخاص بابنتها حتى لا تواجه نفس المشاكل التى تواجهها اليوم.