دعانى الدكتور عبدالله محارب، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إلى حضور افتتاح المبنى الجديد للمنظمة فى تونس العاصمة، فذهبت لأسباب ثلاثة:
الأول أنى أعرف أن الدكتور محارب، كما سمعت منه قبل عامين، مشغول بقضية التعليم فى مصر، بشكل خاص، قبل أن ينشغل بها عربياً، بحكم منصبه، ومن دلائل انشغاله بالقضية عندنا أنه جاء إلى القاهرة، قبل سنوات، وقدم مشروعاً ينقل تعليمنا من مكانه الحالى لمكان آخر أفضل، غير أن المفارقة المحزنة أنه أحس بأن الاحتفاء بمشروعه، ليس كما توقع وانتظر، فعاد وفى داخله حزن وعتاب!
والسبب الثانى أنى أردت أن أرى تونس فى ذكرى مرور خمس سنوات على ثورتها.. أين هى، وفى أى اتجاه تمضى!
والثالث أنى ذهبت، وعندى أمل، فى أن أسمع جديداً، فى هذه القضية الأهم.. قضية التعليم.. فى داخل المنظمة ذات الشأن، بامتداد 22 عاصمة عربية.. إننا جميعاً ندرك تماماً أنها القضية الأهم ولكن إدراكنا هذا لا يصادف ترجمة حقيقية له على الأرض، وفى المرة التى أراد فيها مدير عام المنظمة أن يترجم اهتمامه على أرضنا، رددناه فى لطف وإحسان، باعتبار أن تعليمنا ليس فى حاجة إلى عون، ولا إلى مساعدة، وأنه فى أحسن حال!
الرئيس التونسى، الباجى قائد السبسى، وقف على منصة الاحتفال يتكلم مرتجلاً فى حيوية شاب فى الثلاثين، رغم أنه جاوز الثمانين، وكانت عنده «رسالتان» فى كلمة من خمس دقائق.. أما الأولى فهى أن تونس إذا كانت تقاوم الإرهاب وتحرز نجاحات ضده، فإن المقاومة الأهم هى على المستوى الثقافى، أى التعليم، لا المقاومة الأمنية بأى حال.. وكانت رسالته الثانية أنه خاطب كل عربى بالآية الكريمة: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».
ثم ودع الحاضرين، معتذراً بالتزامات عليه، قائلاً: لعنة الله على الالتزامات!
وفيما بعد، كان التعليم كقضية، هو القاسم المشترك الأعظم فى كلمات الدكتور نبيل العربى، أمين عام الجامعة العربية، والدكتور عبدالعزيز التويجرى، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، ومن ورائهما الدكتور محارب، الذى قال: أزماتنا الحالية هى نتاج عملية تعليمية غابت عن مركز اهتمامنا، منذ عقود طوال، فكانت نتيجة هذا التهميش ضرراً مباشراً للإنسان العربى، الذى صار هو أيضاً مهمشاً، مهدوراً، حائراً، بين حاضر مرتبك ومستقبل غائم الآفاق!
وكنت قد غادرت إلى هناك، وأنا أقلب فى أوراق الرؤية التى جرى طرحها، بحضور الرئيس، قبل نحو أسبوعين، عن مصر التى نريدها فى عام 2030، وكان التعليم يمثل محوراً من بين سائر محاورها، وهو ما أقلقنى، رغم الجهد الواضح فى إعداد الرؤية، ورغم الرغبة الصادقة فى تجسيدها حية بيننا.
ما أقلقنى أن أجد التعليم فى «2030» محوراً، شأنه شأن غيره من المحاور، وهو الأمر غير الصحيح بالمرة، لأن أمر التعليم لو كان كذلك، ولو كان من الممكن أن يؤخذ مثل غيره من قضايانا، ما كان هذا أبداً هو حالنا الذى تراه!
علينا أن نفهم أن التعليم فى تونس، فيما قبل ثورتها، كان أفضل منه عندنا، وأن هذا هو السبب الأساسى الذى جعل مسيرة ثورتها غير مسيرة ثورتنا، وحين تكون هناك، فأنت تشعر بهذا وتحسه فى كل ركن تذهب إليه.. بل أنت تراه!