هي نفس الدراما المأساوية، الذئاب السوداء تنفذ جرائمها، ورجال يدفعون حياتهم ثمنا لرسالتهم، دماء طاهرة تروى أرض المعركة في سيناء والخانكة والزاوية الحمراء، تضحيات بأغلى ما يملك الإنسان- حياته- وفاسدون يلوثون لوحة الفداء، ومغرضون وخونة يهيلون عليها تلالاً من التراب.
والحقيقة أن رسالة رجل الشرطة وعقيدته فيما يتحقق من نتائج كل لحظة، وفى قاطرة التضحيات التي لا تتوقف، وفيما ننعم به من أمن في مساكننا وأعمالنا، ورواحنا وغدونا، رجل الشرطة هو الذي يُقْدم على الموت كى نعيش أنا وأنت في أمان.
والمؤكد أن رجال الشرطة الذين يرتكبون أفعالا على شاكلة: بلطجة المطرية، وتحرش المريوطية، وفساد الثروة، وتهريب الأفارقة، وتجارة المخدرات، وغيرها من الجرائم، إنما يضربون كل التضحيات في مقتل، يهدرون ما قدمه الأبطال والشهداء وكل الشرفاء.
ولا اختلاف على أن «الشرطة» واحد من قطاعات الدولة، يضم بشراً يختلفون في طبائعهم وعقائدهم، لكنهم ليسوا كغيرهم، لأن الرسالة التي يحملونها لا تقبل الخلل ولا التجاوز، لأن هذا الجهاز مسؤول عن تنفيذ العدل وإقراره، وأى خلل في تنفيذ العدالة، يقلب الحياة كلها إلى فوضى وغابة.
ومعروف أن في «الداخلية» جهاز تفتيش مهمته مواجهة السلبيات، وتطهير الجهاز من الذين يحيدون عن الرسالة، وأن هناك إجراءات عديدة يتم اتخاذها لا يتم الإعلان عنها، ويتم استبعاد عناصر كثيرة نتيجة عدم صلاحيتها لحمل المسؤولية الكبيرة.
وتبقى ضرورة الحسم والحزم في التعامل مع كل تجاوز لتطبيق القانون، لأن النصوص التي تحكم علاقاتنا موجودة بين أيدينا، لكن عدم تطبيقها وإساءة التطبيق، والتحايل عليها، واستعمال المزاج الشخصى في التعامل معها، وأشياء أخرى تهدر سيادة القانون، كلها تهدم الحياة السليمة.
وما يلزمنا- دون مزايدة- أن نعيد تثقيف رجل الشرطة بالقانون وما يشمله من حقوق وواجبات، ندربه على تطبيق الحريات المكفولة للمواطن، التي ليس من بينها «ابن الـ...، ولا...، ولا...» القانون الذي ليس فيه باشا، ولا بيه، ولا ابن «...»، والقانون فيه من النصوص الرادعة ما يعاقب أي خروج عليه، بداية من رفع صوت «الكاسيت» وصولا إلى أبشع الجرائم وأشدها.
وينتهى بنا الأمر إلى التزام المواطن بالقانون التزاما كاملا، وإدراكه أن رجل الشرطة الذي يقف في «كمين» أو يتحرك في «دورية» أو «مأمورية» من أجل حماية الأرواح والممتلكات ليس بينك وبينه «تار بايت»، والتعاون معه واجب وضرورة.
والخلاصة يا سادة أن «مربط الفرس» في الالتزام بالقانون، أن يتم تطبيقه على الجميع دون تمييز ولا هوى، وأن تكون لدينا جميعا ثقافة احترام القانون والخضوع له، لأنه لن يستقيم الحال مادمت سيادتك تتجاوز السرعة المقررة، ولا تربط الحزام، وتتحدث في الهاتف، وتتخطى إشارة المرور، وحين يطلب منك الشرطى تراخيصك تصرخ في وجهه: «إنت مش عارف بتكلم مين يا....؟»، وإذا دوّن أرقام سيارتك في دفتره أجريت اتصالاً انتهى بتشريده.
كما لن يستقيم الحال إذا وقفت تطبق القانون، تفتش «ميكروباص» يقل عمال تراحيل، فإذا اشتبهت في أحدهم شددته من قفاه مثل «البهيمة» ولسان «جنابك» يردد: «انزلى انت يا ابن الـ...»، فإذا رد عليك: «بلاش تشتم أمى»، كانت ليلته أسود من جناح الغراب.