في غرفتى في واحد من فنادق تونس العاصمة، وجدت بطاقة ورقية صغيرة، عليها شعار منظمة «يونيسيف» التي تعتنى بوضع الأطفال عالمياً.
كانت البطاقة تقول إن 1400 طفل يموتون في العالم، يومياً، بسبب مياه الشرب الملوثة، وإن تبرعك للمنظمة بدولار أمريكى واحد، تضيفه على فاتورة حسابك، وأنت تغادر الفندق، سوف يضمن توفير مياه نظيفة لتسعة أطفال لمدة شهر!
وكانت «يونيسيف» تتكلم، بالطبع، عن أطفال العالم، ولكنها كانت تخص أطفال أفريقيا والشرق الأوسط، عند الكلام عن المياه الملوثة، أو عن الأمراض الناتجة عن المياه الملوثة!
سألت نفسى: كم طفلاً في بلدنا يقع تحت هذا البند، مادمنا بلداً أفريقياً، وشرق أوسطى معاً.. كم؟!.. وإلى أن تتوافر لنا إحصائية كهذه، فإننى أسأل الذين يعنيهم الأمر، من مسؤولينا، عن مدى صلاحية مياه الحنفية التي يشربها أغلب أطفالنا في كل صباح.. هل تنطبق عليها معايير المياه، التي ترى «يونيسيف» أنها تقتل 1400 طفل، في العالم، في كل يوم؟!.. وإذا كانت تنطبق، فما هو البديل الذي يمكن أن يلجأ إليه الأطفال؟!
إننى ألاحظ أن كثيرين يستخدمون المياه المعدنية، التي يحتاج استخدامها، على مستوى كل أسرة، إلى ميزانية خاصة مضافة إلى الميزانية الإجمالية في كل بيت!
ثم إننا جميعاً نعرف أن الأسر التي لا طاقة لها على شراء المياه المعدنية تلجأ إلى الفلاتر، لتنقية مياه الحنفيات من شوائبها، وهو بديل قيل، في أحوال كثيرة، إن له عيوباً، من بينها أن الفلتر يحجب عناصر في المياه لازمة لصحة الإنسان بطبيعتها، فكأن مستخدمى الفلاتر قد هربوا من ضرر إلى ضرر آخر، ربما يكون أشد.. ثم قيل إنه لا ينقيها كما يجب!
ولا تخلو الصحف، بين فترة وأخرى، من مسؤول هنا أو هناك، من بين مسؤولينا، يشرب من ماء الحنفية أمام الكاميرا، ليطمئن المواطنين على أنه لا ضرر فيها!
غير أن ما يبعث على القلق أنك لو تتبعت الأمر سوف تكتشف أن هذا المسؤول نفسه لا يشربها في مكتبه، ولا في بيته، ولا يجد حرجاً في أن يظهر هو ذاته، في أي مناسبة عامة، وأمامه على المائدة زجاجة المياه المعدنية يشرب منها!
إننى أعرف أن شركة مياه الشرب تتبع وزارة الإسكان، وأعرف أن الدكتور مصطفى مدبولى، الذي يجلس على رأس هذه الوزارة، رجل يخاف الله، وأدعوه، بالتالى، إلى أن يشدد على نقاء المياه التي تنتقل من النيل إلى البيوت، وأن يتابع ذلك مباشرة، وباستمرار، ثم أدعوه إلى أن يطمئن ملايين المصريين، ممن لا يستطيعون استهلاك المياه المعدنية، على أن كوب ماء النيل، القادم من الحنفية، آمن، وأن زجاجة المياه المعبأة، على كل مائدة، من موائدنا العامة «منظرة» لا مبرر لها.. طمئن الناس أيها الوزير الهمام!