حكومة الشاطر حسن

نهى عاطف الأربعاء 02-03-2016 22:06

مرت سنوات على زواج الشاطر حسن من الأميرة الحسناء، ثم مات والدها حاكم البلاد، ليصبح حسن وريث حكمه، حيث لا أخ للأميرة. حزنت البلاد على فقدان الحاكم، لكن ما لبثت أن رحبت بخليفته البطل، وكتبت الصحف «البطل يحكم البلاد.. الشاطر حسن رئيسا»، و«البطل الشاب الذي بدأ حياته صيادا صار مسؤولا عن بلدنا». انتشرت في الشوارع صورة الحاكم الجديد باسما مرة، وأخرى بالملابس الملكية، وثالثة يصطنع الشرود وقد أسند ذقنه إلى أطراف أصابعه.

كان الشاطر حسن متحمسا لمنصبه الجديد، فقد ظل متعطلا عن العمل منذ زواجه بالأميرة بعد أن رفض والدها أن يستمر زوج ابنته في مهنة الصيد. وحاول الملك الراحل أن يسند إحدى الوزارات للشاطر حسن، غير أنه لم يكن ماهرا في شيء سوى مهنته، واليوم صار الشاطر حسن أصبح ملكا للبلد بأسره.

صرّح الشاطر حسن للصحف بأنه بصدد تشكيل حكومة جديدة، مؤكدا أن أعضاءها من الأبطال، لأن البلاد تستحق ذلك وأفضل. ومر بعض الوقت يناقشون في حقيقة أن يكون الوزراء أبطالا، فإن ذلك أمر جديد على البلاد. ثم أصدر القصر بيانه للشعب، أن من المرشحين للحكومة علاء الدين والسندباد البحري وعلي بابا.

بالفعل عاد علاء الدين إلى البلاد في موكب فخم يليق بزوج ابنة إمبراطور بلد بعيد، كان الموكب ضخما أيضا، حيث أحضر البطل العائد بضائع من الٌإمبراطورية يبيعها إلى كبار التجار في البلاد. ولوّن السندباد البحري بالأسود الشعرات البيضاء التي تناثرت على رأسه، وأخفى الباقي بعمامته الشهيرة تنفيذا لنصيحة أصدقائه بعدما أخبروه بأن الشعب اعتاده شابا صغيرا. أما على بابا، فقد سارع إلى دعوة عدد من المجلات لإجراء الأحاديث معه، وفي جميعها ظهرت صورته مع زوجته مرجانة، وأكد «أنها رفيقتي الصادقة، وكافحت معي منذ كنت حطابا بسيطا إلى أن أصبحت رجل أعمال ثريا»، وتؤكد هي «على بابا لا ينسى الكادحين، ويتعامل معهم كواحد منهم».

اجتمع الأبطال الأربعة في إحدى حجرات القصر، رحب بهم الشاطر حسن، ثم قال :«أيها الأبطال، لقد رشحتكم جميعا لمناصب وزارية» ابتسم مواصلا: «سوف يكون علاء الدين وزيرا لحل الأزمات، فهو دائما يجد حلولا للمشكلات ابتداء من الخروج من الكهف الذي أغلقه عليه عمه، حتى تدبير الزواج بابنة الإمبراطور العظيم. وأرشح السندباد لوزارةالحماية الداخلية ومحاربة الأعداء، فقد حارب هذا البطل في سفراته المتعددة وانتصر في كل معاركه. أما على بابا، وزير اقتصاد البلاد، ولا أجد لذلك المنصب شخصا أنسب من هذا الثري العصامي». ابتسم الحضور في امتنان، وسأل السندباد: «لكن من سيكون رئيس هذه الحكومة؟»، رد الحاكم الجديد: «لا أعرف! فكرت كثيرا ولم أجد بطلا إضافيا، لعل الحل هو أن يجمع أحدكم بين منصبه ورئاسة الحكومة».

صاح على بابا: «أنا!.. الجمع بين منصبين كبيرين أمر شاق وبحتاج خبرة، أنا أكبركم سنا، لذلك أجد أنني الأنسب لذلك». نظر الأبطال الثلاثة إليه في غضب، وصاح السندباد: «يا سيدي، لأنه أمر شاق فهو يحتاج إلى شباب»، ضحك على بابا وسأله في استفزاز «وهل مازلت شابا يا سندباد؟». انفعل السندباد قائلا: «إن لم يكن المنصب يحتاج إلى شباب، فهو على الأقل يحتاج إلى نزاهة.. من أين جئت بثروتك يا على بابا؟»، وقبل أن يرد استطرد السندباد «أموالك التي تحولت لاستثمارات وعقارات أصلها زكائب من الأموال المسروقة، حصيلة سرقات أربعين لصا، أنت لص أربعين مرة!».

تدخل الحضور لتهدئة السندباد، وناول الشاطر حسن كوبًا من الماء لعلي بابا الذي احمر وجهه. شرب على بابا رشفتين ثم قال للسندباد في تحد: «حسنا، المنصب قد لا يحتاج إلى شباب ولا إلى نزاهة، لكن حكومة الأبطال لابد أن يترأسها بطل، هل أنت بطل يا سندباد؟» ساد الصمت لحظة وقطعه على بابا قائلا: «لم تواجه واحدا من الأخطار في سفراتك، كل مرة قابلت فيها خطرا كنت تهرب منه أو تتفاوض معه، لم تنتصر لأنك لم تشتبك».

نظر الشاطر حسن إلى علاء الدين قائلا :«علاء الدين، ألست وزيرا لحل الأزمات، ها هي أولى مهام عملك، فلتحسم هذه الأزمة!». تململ علاء الدين وقال بنبرة مثالية «يا أبطال، عليكم بالحوار البناء، الحوار الهادف والتفاهم هو الطريقة...» قاطعه السندباد بضحكة ساخرة، قال بعدها: «حقا؟! هل تعرف الحوار يا علاء الدين؟ لا أظنك قد احتجت إليه يوما، كان كل ما عليك هو أن تنطق بما يريد، فيأتي لك به مارد المصباح السحري».

ضحك على بابا وكتم الشاطر حسن ضحكته، فاغتاظ علاء الدين، ونظر إليهم في غضب قائلا:«ما هذا؟! لماذا أنا هنا وسط أشخاص يسخرون منّي، بالتأكيد سيكون من الأفضل لي العودة من حيث جئت، هناك سوف أصير امبراطورا بعد وفاة والد زوجتي» والتفت إلى الشاطر حسن مخاطبا «مثلك يا حسن... يا شاطر». رد الشاطر حسن بصوت خفيض مستهزئ «قوانين الامبراطورية هناك لا تسمح بتولي الأجانب إدارة البلاد، من الأفضل لك أن تجلس هنا يا علاء الدين».

جلس علاء الدين وحاول رسم ابتسامة مستهزئة، ونظر للشاطر حسن قائلا: «لم يتعلم الصيادون قوانين الحكم وقت أن غادرت البلاد، لكنها الصدفة التي جعلت قانون بلدنا يسمح بما لا تسمح به الإمبراطورية البعيدة»، وواصل ناظرا إلى الحكام الجديد: «لابد أنك تعرف الصدفة جيدا يا حسن، هي ما أتت بك إلى الحكم، هي -أصلا- ما جاءت بك إلى القصر.. وهل شيء غيرها يجعلك تجد الخاتم بداخل السمكة؟!».

لم ينته اجتماع الحكومة الجديدة، لايزال الأربعة يتباحثون الأمر يوما بعد الآخر، وفي مساء كل يوم يخرجون من اجتماعهم منهكين، فيهلل لهم العامة في سعادة، فسوف يحكم بلدهم الأبطال!