لم يكن قرار نبيل العربى بعدم الترشح لفترة ثانية كأمين عام مفاجأة، فترشحه كان سيقابل بالرفض وبالإجماع، حتى من مصر، فالرجل متهم بأنه لم يكن على قدر المسؤولية وأنه كان ينفذ تعليمات دول عربية دون أخرى، السنوات الخمس التى قضاها كأمين العام واصلت الجامعة العربية خسائرها وفشلت فشلا ذريعا فى إيجاد صيغة لحل عربى توافقى فى الأزمة السورية واليمنية والليبية، حتى ما تم الاتفاق عليه فى القمة العربية الأخيرة فى شرم الشيخ بشأن القوة العربية المشتركة كان حبرا على ورق، وسارعت السعودية بالإعلان عن التحالف الإسلامى بديلا عنها.
اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية لأسباب معروفة وقديمة، ربما يكون مناسبة طيبة لأن يحدد العرب ماذا يريدون من منظمتهم الإقليمية بصدق وأمانة ونزاهة؟
اجتماع القمة العربية فى موعدها أو تأجيلها أو حتى إلغائها ليس هو نقطة الخلاف، وكذلك اختيار الأمين العام، وهل سيكون مصرى أم سعودى، أبوالغيط أم سامح شكرى أو شخصية أخرى؟ كل هذه مجرد إجراءات، المهم وماذا بعد؟
الوطن العربى فى مأزق كبير، الصراعات بين الأنظمة العربية تخطت حدود العقل والمنطق وبدلا من مناقشتها داخل الجامعة تناقش على الأرض وبالذخيرة الحية. العدو الإسرائيلى والقضية الفلسطينية أصبحا ذكرى، الكراهية العربية- العربية تشغل البال والخاطر.
نعيد دورة التاريخ دون أن نعى دروسه، نعيش أجواء الحربين العالمين، هذه المرة الحروب عربية وليست أوروبية، ليس لدينا إرادة على وقف الانهيار، والتفكير بحكمة فى النتائج بعيدا عن نظرية المؤامرة الكونية على الأمة العربية، التى لم يعد أحد يكلف نفسه بالتفكير فى إضعافها وإنهاكها وإفلاسها، فنحن تكفلنا بهذا الدور وبرعنا فيه. الدول العربية كلها دون استثناء خاسرة، ومسلسل الدم والكراهية بين الدول العربية سيستمر لأجيال قادمة وهى بيئة صالحة لتربية الإرهاب.
فى هذه الفترة العصيبة يمكن للجامعة العربية، أن تقوم بدورها بفاعلية، عام 2016 سيحسم عددا من الملفات المفتوحة منذ سنوات، ومن الذكاء أن تغلق هذه الملفات دون انكسار لأنظمة عربية بانتصار قوى إقليمية أو أنظمة عربية أخرى، ومصر عليها العبء الأكبر فى ترشيد السلوك العربى الذى يميل إلى السلوك القبائلى والرغبة فى الثأر فى زمن العولمة.
مصر، بالتأكيد ستحشد جهودها من أجل فوز مرشحها لمنصب الأمين العام، لكن عليها أن تدرك أن هذا ليس هدفا فى حد ذاته، ريادة مصر لن تتم بوجود أمين عام من صلبها، ولكن بأدائها كدولة كبيرة فى محيطها العربى داخل الجامعة وخارجها. مواجهة مصر لمحاولة وأد الجامعة لصالح منظمات إقليمية محدودة يجب أن يكون واضحا، ولو ساهمت مصر بالصمت والتواطؤ فى ذلك تكون قد تنازلت عن ريادتها لفترة طويلة قادمة، وعليها أن تجتهد فى تجديد الجامعة وإعادة بناء الثقة فيها بالتشاور مع عقلاء العرب، وأن يفكروا فى آليات تستعيد بها الجامعة قدرتها على التدخل وفرض قراراتها على الدول الأعضاء الخارجين عن الإجماع، وهذا لن يحدث دون تشكيل وتفعيل القوة العربية المشتركة، فالحق لابد أن يكون له قوة تحميه.
الأمين العام الجديد، يجب أن يفكر فى وسائل تجمع العرب ولا تزيد من انقسامهم، السوق العربية المشتركة يمكن أن يكون بداية، وكيفية تنفيذ استراتيجية التكامل بين الدول الأعضاء، المصالح المشتركة تقرب بين الدول، والوطن العربى يمكن أن يتحول لقوة اقتصادية بالتكامل بين دوله، فموقعه وثرواته المتنوعة ونسبة الشباب المرتفعة فيه كلها مؤهلات تحسب له.
مناقشة كيفية تحسين اقتصاديات الدول العربية المتعثرة، يمكن أن يكون بداية لحل الكثير من الخلافات السياسية والمذهبية بين الأنظمة العربية، فلغة الأرقام هى أبسط وأصدق لغة وأكثرها دقة ومباشرة.
الوطن العربى لم يعد يحتمل المزيد من الاضطرابات والثورات ولقد اكتشفنا أمما لا نجيد لعبة السياسة. تحسين أحوال الشعوب العربية يجب أن يكون هدف كل القادة العرب.. الشعوب صبرت طويلا على حماقة قادتها واستبدادهم وغرورهم وفسادهم.. كفى.. ابدأوا إصلاح البيت الكبير.. قبل أن يصبح متحفا لذكريات ما تبقى من الأمة العربية.