هل هى مصادفة.. أحد مسؤولى اتحاد الكرة، فى إطار جس النبض قال: لدينا استعداد للعب مع إسرائيل، أحد الأندية الكبرى تفاوض لشراء لاعب أفريقى عن طريق وكيل إسرائيلى حصل على عمولة كبيرة، السفارة الإسرائيلية بالقاهرة تدعو لأول مرّة إلى إقامة مباراة بين منتخبى البلدين، أحد نواب البرلمان استضاف السفير الإسرائيلى بمنزله فى نفس يوم وصول سفير مصرى جديد إلى تل أبيب، الأنباء أصبحت مؤكدة حول لقاءات سعودية- إسرائيلية، وعلاقات من نوع ما، إماراتية- إسرائيلية، تسريبات حول وساطة إسرائيلية لإصلاح العلاقات بين مصر وتركيا، ووساطة سابقة لإصلاحها مع الولايات المتحدة.
بالتزامن مع كل ذلك قام رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بجولة فى القارة الأفريقية، تحديداً فى دولتين من دول حوض النيل، هما أوغندا وكينيا، سبقهما توقيع اتفاق تعاون استراتيجى مع إثيوبيا، قبل هذا وذاك أعلن وزير الطاقة الإسرائيلى أن مصر قامت وتقوم بهدم الأنفاق مع غزة بناء على رغبة إسرائيلية فى إطار التعاون بين البلدين، الرئيس المصرى أشاد مؤخراً برئيس الوزراء الإسرائيلى ودوره المهم فى المنطقة، وقال إنه يتحدث معه كثيراً.
قبل ذلك منحت مصر صوتها لإسرائيل فى إحدى اللجان المنبثقة عن الأمم المتحدة، وسط كل ذلك يتزايد الإعجاب الإسرائيلى، يوماً بعد يوم، بالأوضاع الحالية فى مصر، وسط محاولات ترويج مصرية لمزاعم إسرائيلية بأن المسجد الأقصى ليس هو المسجد الأقصى الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم، وبالتالى لا يوجد مبرر للعداء مع دولة الاحتلال.
السؤال هو: هل يمكن فصل كل هذه الأحداث عن بعضها البعض رغم وقوعها فى فترة زمنية قصيرة، أم أن شيئاً ما يتم الإعداد له فى الكواليس؟ عموماً: التبادل التجارى بين البلدين يسير على قدم وساق، السياحة الإسرائيلية إلى مصر لم تتوقف يوماً ما، حج الأقباط إلى إسرائيل يتزايد، أرقام تمت إذاعتها أخيراً تشير إلى أن حجم تحويلات العمالة المصرية من إسرائيل سنويا يقترب من ٥٠ مليون دولار، التعاون الأمنى واضح بخصوص حماس، كما العسكرى بخصوص سيناء.
إقليمياً فيما له صلة بإسرائيل، عراق العروبة لم يعد له وجود، سوريا العربية إلى ضياع، لبنان يتجمد، الأردن على كف عفريت، دول الخليج العربية فى انتظار المصير المظلم، من حق إسرائيل إذن أن تحتفى وتحتفل، من حق رئيس وزرائها أن يرتع فى القارة السمراء، من حق سفيرها فى القاهرة أن يصول ويجول فى أقاليم مصر، من حق جولدا مائير ومناحم بيجين وموشى ديان، بل وتيودور هرتزل وكل حكماء صهيون، أن يستريحوا ويهدأوا فى قبورهم، من حق الصهيونية العالمية أن تهنأ وتشرب نخب الضياع العربى، ونخب جهود التسويق المصرية للهيمنة الإسرائيلية على جثث شهداء مصر، من عسكريين ومدنيين، وعلى أنقاض المدينة المقدسة، والمسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين.
ما الذى يحاول هؤلاء وأولئك من بعض النُّخب التمهيد له مع دولة القتل والاحتلال، وهل يتم ذلك دون تنسيق، أو دون تعليمات من الدولة الرسمية، أم أن بعض الأجهزة تقوم بأدوار بمنأى عن الدبلوماسية الرسمية، ما الذى تبقى ولم تحصل عليه إسرائيل حتى الآن، أهى مياه النيل، أهى سيناء، أهى ثروة مصر البشرية، أم ثرواتها الطبيعية، أهى الأهرامات وأبوالهول كما زعموا سابقاً، أهو مزيد من الضياع والتقسيم للدول العربية المقسمة أساساً، أهو الحلم الإسرائيلى بتحقيق التوسع من النيل إلى الفرات؟
أعتقد أن ذريعة سد النهضة لم تكن مقبولة بأى حال إذا كان الهدف هو حصول إسرائيل على أى امتيازات هنا أو هناك بزعم الوساطة، قضية السد انتهت إلى غير رجعة، ووقّعت مصر، ورئيس مصر تحديداً، على اتفاق إعلان المبادئ فى هذا الشأن، وهو الاتفاق الذى اتخذته إثيوبيا ذريعة لتنفيذ بناء السد، إلى أن كان اتفاق وزراء الخارجية والرى أخيراً على الاستعانة بمكاتب استشارية فرنسية لتقدم تقريرها فى هذا الشأن خلال فترة قد تصل إلى عام، وهو ما أجهضته أديس أبابا مؤخراً بتأكيد أن هذا التقرير المنتظر غير ملزم لها بأى شكل من الأشكال، وأنها ماضية فى طريقها لتخزين المياه خلف السد دون انتظار.
لفاقدى الذاكرة: إسرائيل مازالت من وجهة النظر القانونية والشعبية غاصبة للأرض المصرية، باستمرار احتلالها لأم الرشراش (إيلات حالياً)، إسرائيل حتى الآن لم تدفع تعويضات عن النفط الذى حصلت عليه من سيناء خلال سنوات الاحتلال الست، مازالت حتى الآن ناهبة لآثار مصرية سرقتها من سيناء، مازالت ملطخة بدماء عشرات الآلاف من المصريين، مدنيين وعسكريين، لم تُعاقَب حتى الآن عن آلاف الأسرى من الذين قتلتهم بدم بارد، مازالت تحتل أراضى سورية عربية، وفلسطين التاريخية.
إسرائيل، أيها السادة، سوف تظل العدو التاريخى، على المستوى الشعبى، شئنا أم أبينا، أياً كانت محاولات الأجهزة أو أجنحتها، وأياً كانت رغبات الأنظمة أو مخططاتها، لنفصل إذن فى العلاقات بين المستويين الشعبى والرسمى، نحن الآن أمام زوبعة فى فنجان، إلا أنها يمكن أن تتحول إلى إعصار يطيح بالجميع، فقط حال خروجها من حيّز الفنجان، وبرامج التوك شو.. وفرقعات جس النبض، إلى محاولات رسمية لفرض سياسة الأمر الواقع، بحصول إسرائيل على مياه النيل، ثم تتوالى المطالب، أقصد الأطماع.