فاروق ظالماً ومظلوماً (30)

صلاح منتصر الإثنين 29-02-2016 21:28

عاب علىَّ الدكتور نبيل العربى، أمين جامعة الدول العربية، أننى ذكرت خطأ اسم الشارع الذى كان يسكن فيه فاروق فى روما، كما ذكرت أنه كان يسكن فى الدور الرابع، بينما كان فاروق يسكن فى الدور الخامس عشر، أما الدور الرابع فكان يسكنه ساكن آخر. وعذرى أننى نقلت ما كتبه إبراهيم بغدادى فى مذكراته، وقد نقلته كما ذكره. مع ذلك فالشكر كل الشكر للدكتور نبيل العربى، الذى تفضل بالتصحيح.. وإلى حلقة اليوم:

■ ■ ■

رغم أن صلاح نصر ذكر- كما يعترف إبراهيم بغدادى- بأنه (أى بغدادى) قتل فاروق، إلا أن بغدادى حاول أن يؤكد فيما أعلنه وكتبه أن فاروق مات ميتة طبيعية ليلة 27 مارس 65، وهو ما قد يتناقض مع تفكير آخر له مبرراته، وهى:

1ـ إن إبراهيم بغدادى لم يكن ضابط مخابرات صغيرا أو من درجة متوسطة حتى يتم إرساله من جهاز المخابرات ليقوم بمراقبة فاروق، وهو عمل يستطيع أى ضابط عادى أن يقوم به. إبراهيم بغدادى فى السلك المخابراتى كان ضابطا على أعلى درجة، ولهذا كانت المهام التى يكلف بها مهاما رفيعة، منها مثلا تسلله إلى إسرائيل ومهامه مرة فى السويد أو الأرجنتين، بالإضافة إلى شهرته فيما أطلق عليه «رجل الصناديق» على أساس أنه نسب إليه القيام بعمليات خطف أشخاص فى دول أجنبية وحملها فى صناديق يصطحبها معه على الطائرة إلى مصر ويسلمها إلى السلطات. وحسب مذكراته يقول بغدادى إنه لم يفعل ذلك سوى مرة واحدة، ولكنه التصق به من كثرة أسفاره فى مهمات خاصة. والذى أريد قوله فى هذه النقطة إن وجود ضابط مخابرات بحجم إبراهيم بغدادى وكفاءته لمجرد مراقبة شخص آخر مثل أى مخبر يخفى وجهه وراء الجرنال أمر ساذج.

2ـ لم يكن فاروق فى كل تصرفاته خطيرا تجاه مصر والثورة فيها حتى يستدعى الأمر تخصيص ضابط بدرجة إبراهيم بغدادى لمراقبته. وقد ظل بغدادى يقوم بهذه الرقابة طويلا دون أن يكتشف أى وجه للخطورة التى تستدعى استمراره. كانت الصورة عبارة عن قعدة لملك سابق لا حول له ولا قوة مع مجموعة من المصريين الذين يتحدثون عن أمانٍ ترضى دواخلهم دون أن يكون لأى منهم آلية أو وسيلة تهدد الحكم فى مصر.

3ـ إن فاروق ظل بدون أى رقابة من مصر منذ خرج منها عام 1952 ولمدة 13 سنة، وقد ظل يمارس برنامجه الذى يمارسه فى الذهاب إلى المطعم الذى لقى نهايته فيه دون أى أخبار مثيرة عنه، وجاء الخبر المثير بعد وصول إبراهيم بغدادى ونجاحه فى الوصول إلى العمل جرسونا فى المطعم وبعدها حدثت وفاة فاروق، فهل كان ذلك صدفة؟

4ـ فى سابقة لثورة يوليو مع الرئيس الأسبق محمد نجيب، أنه بعد إعفاء اللواء محمد نجيب من رئاسة الجمهورية فى 14 نوفمبر 1954 وإرساله للإقامة فى قصر مهجور فى المرج، فقد ظل نجيب مقيما هناك إلى أن حدث تأميم قناة السويس وبدأت ضغوط الدول ومؤامرة الإنجليز والفرنسيين للقضاء على عبدالناصر. وكان من بين التقارير التى ذكرت ترشيح محمد نجيب لرئاسة مصر عند نجاح خطة التخلص من جمال عبدالناصر باعتبار أن لنجيب وجهاً مقبولاً لدى الشعب المصرى. وفى نفس يوم كشف هذا التقرير صدرت الأوامر بنقل محمد نجيب من المرج إلى مكان مجهول فى المنيا تحت حراسة سرية تم إبلاغها بقتله فور أن يصلها رسالة محددة بذلك. ومن حسن حظ محمد نجيب أن المؤامرات على عبدالناصر لم تحقق أهدافها وامتدت الحياة بنجيب إلى ما بعد وفاة عبدالناصر.

5ـ لو انتقلنا إلى فاروق نجد أنه فى عام 1965 تجددت المعارك بين الثورة فى مصر والإخوان المسلمين للمرة الثانية، وكانت المرة الأولى فى عام 1954. وقد كشفت أوراق التآمر التى شارك سيد قطب فى التخطيط لها عام 65 نسف القناطر الخيرية لإغراق القاهرة. كما فكر الإخوان فى الاستعانة بفاروق ليملأ الفراغ بعد عبدالناصر، وكل هذا دون أن يكون لدى فاروق نفسه أى علم بذلك، ومن هنا كان التوجه إلى إرسال ضابط بدرجة إبراهيم بغدادى ليتولى مهمة مراقبة فاروق وانتهاز فرصة التخلص منه عندما تصبح الحاجة لذلك.

6ـ لم تكن هذه أول مرة يأكل فيها فاروق كميات نهمة مثل التى أكلها فى تلك الليلة التى كانت نهايته فيها حتى يقال إنه مات من كثرة الأكل، ففى كل ليلة كان فاروق يلتهم كميات ضخمة ومن قبل أن ينجح بغدادى فى العمل جرسونا فى المطعم.

7ـ حتى لو كذب إبراهيم بغدادى ما قاله صلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات القوى، فلا يمكن الاستهانة بما قاله صلاح نصر عن أن إبراهيم بغدادى وضع سم الإيكونتين فى الطعام الذى أكله فاروق فى هذه الليلة.

8ـ إن اللغز الغامض هو عدم تشريح جثمان فاروق والإسراع باعتبار الوفاة نتيجة هبوط فى القلب.

9ـ يلفت النظر أيضا حرص القاهرة على نقل جثمان فاروق بسرعة ليدفن فى مصر، ليس من باب الإنسانية بقدر ما كان حتى لا تصبح رفات فاروق تحت احتمال فحص يجرى يوماً لمعرفة سبب الوفاة.

ويستطيع القارئ تجاهل هذه المبررات والملاحظات وأن يعتبر وفاة آخر ملك حكم مصر نتيجة أكلة دسمة امتلأ بها بطنه!

salahmont@ahram.org.eg