تصادف بعد استماعى لخطاب الرئيس السيسى في مؤتمر إطلاق استراتيجية مصر 2030 الأسبوع الماضى أن نزلت لأستقل تاكسى من أحد شوارع القاهرة، وبمجرد ركوبى إذا بعم حسنين سائق التاكسى يستقبلنى بسؤال، بيقولوا إن سنة 2030 الأوضاع هتتحسن، صحيح الحكاية دى هتفيد المواطن الغلبان؟ أصل العيشة بقت غالية أوى يا أستاذ والسوق حالها واقف ومفيش شغل، أنا مستعد أتبرع لمصر كل يوم الصبح بعشرة جنيه بس أحس إن فيه حاجة بتتغير مش بس كلام.
هذا تساؤل مواطن بسيط، أمله في غد أفضل تتحسن فيه الأوضاع يهون عليه واقعه الصعب، وهو بالفعل واقع صعب للدولة كلها وليس لعم حسنين وحده، أسبابه لا تقتصر فقط على أن الدولة منهكة منذ أربع سنوات جراء عدم الاستقرار الذي شهدته، ولكن أيضاً لأن المتربصين كثيرين لإسقاط الدولة والرئيس، سواء بالإرهاب أو محاولات تدمير الاقتصاد، وتشترك في ذلك جهات داخلية ودول خارجية، لذا وجب في وسط كل تلك المخاطر وضع استراتيجية شاملة لمستقبل مصر، تسخر جميع القدرات والإمكانيات فيما يمكن أن نطلق عليها [استراتيجية حرب].
بالفعل ظهرت استراتيجية تنمية مصر 2030، استراتيجية جيدة وبذلت فيها وزارة التخطيط جهداً ضخماً بالتعاون مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى، وتستند إلى رؤية علمية دقيقة، ولكن لدىّ بعض الملحوظات عليها، أبرزها أن هذه الاستراتيجية خرجت من جهة حكومية، تحت مظلة وزارة التخطيط، مع أنها استراتيجية فوق حكومية، كان يجب أن يشترك في وضعها جميع أطياف المجتمع المصرى.
أين موقع علماء مصر في هذه الاستراتيجية؟ فيجب الاستفادة من رؤية العالم الكبير الدكتور أحمد زويل في سبل دخول عصر العلم، وخبرة الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى والذى أنشأ مركزاً يعد صرحاً كبيراً لعلاج الكلى بالمنصورة، وله تجربة كبيرة في الارتقاء بمثل تلك المراكز وتعميمها، بالإضافة إلى الدكتور مجدى يعقوب، أستاذ جراحة القلب في العالم، والذى أنشأ أيضا مؤسسة لعلاج القلب بالصعيد، والدكتور فاروق الباز والدكتور مصطفى السيد، وغيرهم الكثيرين من قامات مصر الكبيرة الذين كان يجب أن يكون إطلاق الرؤية بحضورهم.
كما أن استراتيجية بهذا الحجم كان يجب عرضها على البرلمان، الذي يعتبر شريكاً رئيسياً في وضعها ومتابعة تنفيذها، عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى أيضاً قالوا إنهم لا يدرون شيئاً عنها ولم تصل إليهم، فلابد من مشاركة الجميع في وضع الاستراتيجية، في الجامعات ومراكز الدراسات والوزارات، فلكى تصبح استراتيجية تليق بمصر يجب أن تضعها جميع العقول الواعية وليست فقط أجهزة الدولة الرسمية.
أسئلة واقعية أخرى تطرح نفسها، ما مصادر تمويلها؟ وإلا أصبحت استراتيجية بلا قدمين؟ وما التوقيت الزمنى لتنفيذها؟ فليس معنى أنها لعام 2030 أن ننام ونستيقظ في هذا العام نجدها تحققت، بل يجب أن نعرف ما المستهدف تحقيقه بعد سنة، ثم بعد 5 سنوات، وهكذا بالتدريج حتى نصل إلى اكتمال الاستراتيجية في الموعد المحدد، والسؤال الأهم، من الجهة المشرفة على تلك الاستراتيجية؟ والتى ستحاسب على التقصير في تنفيذها، وتتولى تذليل العقبات التي تواجهها، وتقوم بأهم دور وهو متابعة العمل بكفاءة حتى نضمن لتلك الاستراتيجية النجاح.
أخشى ما أخشاه أن تصبح استراتيجية مصر 2030 مجرد استراتيجية صورية، لتستيف الأوراق أمام الجهات الدولية، ونخرج منها فقط ببريق الاسم، ثم نحتاج بعد سنوات لاستراتيجية جديدة، فقد جربنا مبادرات كثيرة قبل ذلك لم يكتب لها النجاح، فما نريده اليوم استراتيجية شاملة حقيقية قابلة للتنفيذ، مصر في أمس الحاجة إليها.
لذلك أدعو أن يكون الإعلان عن الاستراتيجية بمثابة بداية انطلاق لها، ويتم فتح الباب للجميع لوضع مقترحاتهم وملحوظاتهم عليها، لوضع رؤية حقيقية نابعة من الشعب، يتخذ المواطن فيها موقع المشارك وليس موقع المتابع، وأن يعلم كل المصريين قيمة الاستراتيجية وتأثيرها على حياتهم وضرورة تفعيلها بجدية، وتكون استراتيجية قومية وليست حكومية تسخر فيها جميع إمكانيات مصر، ويشارك في صنعها الجميع، بداية من السيد الرئيس مروراً بعلماء مصر حتى عم حسنين سواق التاكسى.
Ah.ryad@yahoo.com