ناجى والطاهر والمادة 178

نصار عبد الله الأحد 28-02-2016 22:27

لا حاجة بنا إلى القول بأنه لا تعقيب لدينا ولا اعتراض على حكم محكمة جنح مستأنف بولاق أبوالعلا الذى قضى بحبس الروائى أحمد ناجى وتغريم الأستاذ طارق الطاهر، رئيس تحرير أخبار الأدب، لا حاجة بنا إلى ذلك لأن الأحكام القضائية لا يجوز التعقيب أو الاعتراض عليها إلا أمام القضاء وبالطريق الذى رسمه القانون..

لكننا وإن كنا لا نملك أن نعترض على الحكم فإن لدينا اعتراضاً، وأى اعتراض، على التشريع الذى صدر هذا الحكم بمقتضاه، وأعنى بالتشريع هنا المادة 178 مكرر من قانون العقوبات المصرى، التى تنص على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو محفوظات أو رسومات أو إعلانات أو صوراً محفورة أو منقوشة أو رسومات يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية، أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت منافية للآداب العامة»..

وفى رأيى أنه قد آن الأوان لكى نعيد النظر فى هذه المادة التى أحسب أنهاـ فى صيغتها الراهنة على الأقل- تتيح الفرصة للقوى المتربصة بالمبدعين لتوظيفها على نحو يخنق حرية الفكر والإبداع والضمير، آن الأوان فيما أتصور أن نطالب أولاً بنقل الاختصاص فى مساءلة المبدعين الذين يصدمون المنظومة القيمية للمجتمع من القضاء الجنائى إلى قاضيهم الطبيعى المتمثل فى لجان القيم بالنقابات المهنية الخاصة بالأنشطة الإبداعية المختلفة (اتحاد الكتاب.. المهن الموسيقية والتمثيلية ـ السينمائيين ـ الفنانين التشكيليين...الخ)، أو على أضعف الإيمان أن يكون حق المساءلة فى مثل هذه الحالات منعقداً للجنة خاصة ذات اختصاص قضائى مشكلة من النقاد المتخصصين فى المجالات المختلفة برئاسة أحد رجال القضاء، بحيث يمتنع على القضاء الجنائى العادى أن ينظر فى أى دعوى تدخل فى اختصاص تلك اللجنة، كما آن الأوان بأن نطالب ثانياً بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى مثل هذه النوعية من الجرائم، على أن تستبدل بها عقوبات متدرجة تبدأ من التنبيه واللوم مروراً بالإيقاف عن النشر لمدة معينة وانتهاء إلى الغرامة التى يحدد القانون حدها الأدنى والأقصى، وآن الأوان ثالثاً أن يضع التشريع تعريفاً دقيقاً لمصطلحات مازالت مطاطة فضفاضة مثل: «الآداب العامة» و«الحياء العام»، ويكفى فى هذا المجال أن نشير إلى أن محكمة أول درجة قد برَّأت ناجى والطاهر كليهما بينما أدانتهما محكمة الجنح المستأنفة ووقَّعت عليهما الحد الأقصى للحبس بالنسبة لناجى والحد الأقصى للغرامة للطاهر، وفى ظنى أن هذا التفاوت بين البراءة والحد الأقصى ربما ما كان ليحدث لو أن النص التشريعى كان قد وضع من المعايير الواضحة والقاطعة ما تضيق معه السلطة التقديرية للمحكمة فى النظر إلى ملابسات الواقعة والحكم عليها.. وهذا هو ما نطالب ونلح فى المطالبة به، خاصة أن احترام «الحياء العام» لا يعنى ولا يجب أن يعنى قمع «الحياء الخاص»، وأعنى به تلك المنظومة القيمية التى تنتمى إلى ثقافة فرعية معينة داخل إطار الثقافة العامة للمجتمع..

على سبيل المثال ثقافات النخب التى لا يمكن اعتبار ما تتناوله من الأفكار وأنماط السلوك داخل إطارها الخاص خدشاً للحياء العام.. خذ مثلاً ما قد يتبادله بعض الجلساء فى جلساتهم الخاصة من النكات (البذيئة) حيث لا يوصف أى منهم حينئذ بأنه مخدوش للحياء أو خادش له! ولا أظن أن من حق أى شخص أو جهة أن يتلصص عليهم ثم يطالب بحبسهم إعمالاً للمادة 178.

nassarabdalla@gmail.com