أثار انتباهى أن البعض منا مازال يتشكك فى معقبات معالم التنمية التى بدأت فى بلدنا لتنهض به إلى خير ما نصبو إليه من علو وازدهار، وتعيد لنا ما نستحقه من عزة وكرامة متأصلة لدينا، وإن كانت قد خبت زمناً طويلاً شاع فيه فقدان الثقة فى القرار والمسار، وهو مازال يختلج عند البعض ويثير لديهم شكوكاً لعلّى أعزوها إلى أنها من رواسب عصور الاحتلال وسيطرة النفوذ الأجنبى التى تتابعت على مصر، حين كانت بخيراتها وأهليها مطمعاً لكل غاصب يديرها وفق أهوائه، ويسيطر على مقدراتها سيطرة المالك المتصرف وحده حتى انعدمت ثقة المصريين فى حكامهم الذين سلبوهم حقهم فى إدارة زمام وطنهم فافتقدوه. غير أن غريزة حب الوطن والارتباط به الكامنة فى قلب كل مصرى بعمق لا يلين، ما كان لأى حاكم ليوقف توهجها فى دمائهم جيلاً بعد جيل، إلى أن قُدِّر لهم استعادة بلدهم عام 1952 وصار الأمر لهم، وبرزت الأصالة المصرية أمام التحديات فى كل موقف. وإذ اعترض المسيرة غشاوة المطامع من ضعاف البصيرة فقـد انتفض الشعب الغيور على وطنه ليطيح بالخلل، ثم أعقبها بثورة عارمة فى 30 يونيو 2013 صحح بها المسار فى إصرار وعزيمة سطرها التاريخ العالمى لنا بشهادة الجميع. وتولى إدارة دفة البلاد قمة رموزها الدستوريين، الذى أعاد للشعب ثقته فى حاكمه النزيه، وأصدر لمصر دستوراً حديثاً وضعته لجنة شكلها من كافة طوائف المجتمع، ثم نادى الشعب لاختيار رئيس له طبقاً لهذا الدستور فكان أن أودع المصريون بلدهم فى يد من استأمنوه عليه من أبنائهم المخلصين وهم على يقين بأن أرض مصر قد عادت إليهم بغير منازع ليعمروها بإرادتهم الحرة الواعية آمنين عليها بخير أجناد الأرض.
ويعنينى- ونحن نعتلى درجات تنمية شاملة نرفع بها أعتاب مصرنا الحديثة إلى ما نصبو إليه من عزة وكرامة وازدهار- أن أستعرض مع من لا يزال متردداً فى صحة المسار متخوفاً من معقباته، أبرز معالم التنمية التى أرى أن النظر إليها بوعى صادق يدعونا إلى الثقة بالنفس وبأننا نسير بخطوات وطيدة وبنية خالصة نحو تحقيق آمالنا، وأن التخوف مما قد يعوق بلوغ الهدف يجب ألا يعطل مسيرتنا، كما أن الاعتراض على ترتيب أولويات التنفيذ يجب ألا يثبط من عزيمتنا، ذلك أن تعدد الآراء واختلاف رؤاها هو من أبلغ معالم الديمقراطية التى نحترمها، شريطة أن يكون هذا الاختلاف فى الرأى مشفوعاً بالحلول والبدائل البناءة وليس مجرد اعتراض مبعثه التخوف من الإقدام على نهضة وطنية لم نألف إدارتها بأنفسنا.
■ ما القول فى استعادة مصر مكانتها الدولية بعد أن أثرى رئيسنا بجولاته وزياراته المثمرة علاقاتنا ومصالحنا المشتركة مع العديد من الدول الكبرى التى لا يزال يحرص على تفعيل آفاق التعاون معها بما يحقق مصلحة البلاد، كما عزز من ناحية أخرى مكانة مصر الإقليمية والأفريقية فاكتسبنا صوتاً له وزنه فى المجتمع الدولى.
■ وأن مناوآت الإرهاب الغاشم لم تشغلنا عن التعجيل بمشروعات التنمية اللازمة وأبرزها:
- مشروع قناة السويس توسيعاً وتعميقاً وتفريعاً- بما لذلك من أهمية فى اقتصادنا القومى- حيث أدى إلى تيسير مرور الناقلات الحديثة العملاقة وغيرها فى انسياب متتابع فانفردت بصيرورتها ممراً دولياً جاذباً لا مثيل له، وذلك إلى جانب اقترانه بالتخطيط لإقامة مشروعات اقتصادية كبرى. ولا ينال من هذا المشروع التذرع بالأزمة الاقتصادية العالمية الطارئة، حيث إن أهمية تلك المشروعات لا تقاس بتاريخ إقامتها، بل بما تكشف عنه الدراسات من جدواها المتوقعة فى المستقبل الذى لا يتأتى احتسابه فى نهضة الدول بتوقيت عاجل.
- زيادة الرقعة الزراعية التى كنا نعانى من عدم كفايتها، بل تناقصها، مع ما لذلك من ضرورة عاجلة باعتبارها مسألة حياة لا يمكن أن نتردد فى شأنها أمام مشكلة المياه القائمة حالياً طالما أن العلم الحديث والتجارب الدولية أثبتت نجاح الاعتماد على الآبار الجوفية والرى بالتنقيط فى زراعة الصحراء، فضلاً عن أننا يجب ألا نفقد الثقة فى قدرتنا على حل مشكلة المياه الجارية فى ضوء علاقاتنا الدولية الوطيدة.
- بناء ذلك الكم الهائل من المساكن والقرى والبنية التحتية لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين وإنهاء الأوضاع غير الإنسانية التى كنا نتألم لها، وبناء المدن والأحياء الجديدة لمواجهة التكدس العمرانى بسبب الزيادة المطردة فى عدد السكان وسوء توزيعهم، ومد شبكة الطرق الرئيسية اللازمة لتيسير حركة النقل والتجارة الداخلية والخارجية.
■ وما القول فى أن رئيس البلاد الذى انتخبناه حرص بحس وطنى صادق على تشكيل مجالس متخصصة إلى جواره ضم إليها نخبة من العلماء والمتخصصين فى مختلف المجالات يجتمع بهم ويستطلع رأيهم ويستمع إلى مشورتهم ويتابع بنفسه خطوات التنفيذ.
- وأنه لم يتوان عن استكمال البناء الدستورى للبلاد إلى أن تم انتخاب مجلس النواب باعتباره سلطة تشريعية ورقابية تعلو أى سلطة أخرى فى إدارة الدولة.
- وأنه يؤكد فى كل مناسبة خضوعه للقانون ولإرادة الشعب واحترامه الكامل لأحكام القضاء.
- وأنه يشجع الشباب دائماً ويدعوهم إلى دورهم فى بناء مستقبل بلدهم ويؤهلهم لذلك.
- وأنه يحرص على توحيد عنصرى الأمة ونبذ الفرقة والاعتزاز بمصريتهم جميعاً فى وطنهم الواحد.
- وأنه عنى بتعزيز قواتنا المسلحة بأحدث العدد والعتاد الذى لم تنله من قبل مع الحرص على تنويع مصادرها حتى نظل بمنأى عن التحكم الذى عانينا منه طويلاً، وبذلك أصبح لمصر قوة ضارية ترفع من شأنها وتحفظ لها أمنها الخارجى والداخلى وتحمى الوطن من أى تدخل سافر.
حاصل ما تقدم أن عدم الثقة فى نتائج هذا المسار واستمرار التخوف من عدم قدرتنا على مواجهة تحديات الظروف هو قعود عن تلبية نداء مصرنا الحديثة التى تدعونا إلى الإقدام بنظرة تفاؤل والمشاركة فى بناء وطننا اعتزازاً بعودته إلينا وثقة فى قدرتنا على مواجهة الصعاب بهمة وإخلاص وطنى صادق.