1
في مطلع القرن الماضي راود الزعيم مصطفى كامل حلم تأسيس جامعة أهلية في مصر، ونشر دعوته في جريدة المؤيد متبرعا بمبلغ خمسمئة جنيه لإنشاء المشروع، وحث المصريين على التبرع لبناء جامعة مصرية، ثم تبرعت الأميرة فاطمة، ابنة الخديو إسماعيل بستة أفدنة للمساهمة في إنشاء مبنى الجامعة.
ثم أسس مصطفى كامل لجنة لتلقي التبرعات بناء على اقتراح من الشيخ على يوسف، أحد أشهر الصحفيين العرب في وقته، وساهمت التبرعات من المواطنين ومن الشخصيات العامة والأثرياء في النهاية في تأسيس الجامعة الأهلية عام 1908، وهي جامعة القاهرة الآن، أكبر وأقدم جامعات مصر والشرق الأوسط وأفريقيا على الإطلاق.
2
عندما اجتاحت مصر حالة الكساد الاقتصادي في ثلاثينيات القرن الماضي تدهورت معها الحالة الاقتصادية، وانخفضت أسعار القطن – الذي كان أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في ذلك الحين – مما اضطر المصريون إلى الاستيراد من الخارج، دعا الكاتب والمناضل السياسي، أحمد حسين، مع رفيقه الصحفي فتحي رضوان، واللذين كانا طالبين في كلية الحقوق بعد، إلى دعم الاقتصاد المصري والتبرع من أجل مصر بقرش صاغ من كل فرد، على أساس أنه «من العيب أن يرتدي المصريون ملابسهم من الخارج»، رافضا التبعية الاقتصادية لمصر.
وأنشأ حسين «جمعية القرش»، وكان شعار المشروع «تعاون وتضامن في سبيل الاستقلال الاقتصادي»، وحظي المشروع بدعم حكومي كبير، وقدمت له حكومة إسماعيل صدقي باشا جميع التسهيلات، نكاية في حزب الوفد الذي رفض المشروع، بدعوى أن «فكرته ستنحرف بالشباب عن قضايا مصر الحقيقية الكبرى، وعلى الاستقلال التام».
وكان المشروع حينها مجالا للصراعات السياسية والفكرية التي رفضته على خطوط هذه الصراعات لا على خطوط الرأي الموضوعي في الفكرة، فعارضه الوفد بدعوى أن فكرة المشروع «ستنحرف بالشباب عن قضايا مصر الحقيقية الكبرى وعلى الاستقلال التام»، ورفضه عميد الأدب العربي طه حسين، الذي قال إنه «يخشى أن يكون المشروع يعكس هروب الشباب من ثورة الفكر».
لكن المشروع لاقى ترحيبا من المواطنين ومن الجيش المصري ومن الطلبة في المدارس والجامعات، ووصلت حصيلة التبرعات في عامين إلى ثلاثين ألف جنيه استخدمت في بناء مصنع للطرابيش في العباسية ينتج الطرابيش المصرية الخضراء بدلا من استيرادها بعد أن أدى الكساد إلى إغلاق مصانع الطرابيش التي بناها محمد على.
3
في عام 1955 قرر الرئيس المصري جمال عبدالناصر إقامة أسبوع بعنوان «أسبوع التسليح» بهدف كسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقي لتسليح الجيش المصري.
وكان أن تصدى عدد من الفنانين المصريين لمساندة المشروع وعلى رأسهم تحية كاريوكا التي كانت واحدة من الفنانين الذين جابوا المدن والقرى والأحياء بصندوق كبير تحمله سيارة نقل لجمع التبرعات من أجل الجيش.
وبعد نكسة 1967، انطلقت حملة التبرع من أجل إعادة تسليح الجيش المصري، وهي الحملة التي شارك بها العديد من كبار رجال الدولة والمثقفون والفنانون.
وشاركت سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، بمجوهراتها الشخصية وأجر حفلاتها التي أقامتها لمدة تقارب العام لصالح المجهود الحربي، كما دفعت للمجهود الحربي بأجر حفلها في باريس وحفلها في الكويت وحفلاتها في مدن أخرى خارج مصر، حتى وصلت حاصلات الحملة إلى ملايين الجنيهات.
4
بعد ثورة يناير، أطلق الدكتور عصام شرف، رئيس وزراء الثورة الذي عينه الميدان وألقى قسمه الدستوري في الميدان، مبادرة «2011125» للتبرع من أجل دعم الاقتصاد المصري على حساب يحمل تاريخ الثورة.
5
لا حاجة حقا للحديث عن حجم التبرعات التي جمعها ويجمعها الإخوان وأنصارهم تحت مسميات عدة، فهي أبرز من أن يبرزها إلقاء الضوء عليها أو التذكير بها.
6
صبح على مصر بجنيه، فأنت حينها متسق مع تاريخ مصر الخديوية والملكية والناصرية والثورية بل الإخوانية.