هى دى الاصطباحة

عبد الناصر سلامة الأحد 28-02-2016 21:37

رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية قال إن حجم استيراد السلع المهربة، مثل الترامادول والشماريخ والسلاح، فى مصر، لا يقل عن نحو ٢٥ مليار دولار، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أن حجم الاستيراد من الخارج وصل لنحو ٨٠ مليار دولار، وفقاً لتصريحات مجلس الوزراء.

لنا أن نتخيل أن هناك سلعاً بما قيمته نحو ٢٣٠ مليار جنيه، لا تعلم الدولة عنها شيئاً، لا هى حصلت منها على جمارك، ولا هى استفادت بعد ذلك بضريبة المبيعات، ولا بأى ضرائب أخرى، هذا الرقم يتم تحويله إلى دولارات بعد ذلك فى السوق السوداء، للاستيراد من جديد، وعلى نطاق أوسع، عاماً بعد عام.

لنتذكر فقط أننا نتحدث عن بند واحد، فى سلسلة طويلة من بنود الفساد، التى ما لبث أن أشار إلى بعضها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات إلا وهاجت الدنيا وماجت، جمارك وضرائب السلع المهربة وحدها يمكن أن تحل الكثير من المشاكل، يمكن أن تحل أزمة نقص الدولار فى الأسواق، يمكن أن تكون بمثابة صباح الخير على كل المصريين، بدلاً من شُغل القطاعى بالجنيه، والنص جنيه، والموبايلات، والرسائل القصيرة.

علوم الاقتصاد، أيها السادة، تؤكد أن التسول الخارجى لا يبنى مجتمعات، كما الداخلى لا يحل أبداً أزمات، جميعها مُسكنات وقتية، لا يمتد مفعولها إلى المدى البعيد، ولا حتى القصير، هى لحظية فقط، ما تلبث أن تتبخر فى الهواء، ويبدأ المواطن فى طلب كشف الحساب عنها، وعادة لا يجد أى إجابة، وتتراكم حالات التسول، لنجد أنفسنا فى النهاية أمام مجتمع بائس، اعتاد التدنى والخضوع، لا يستطيع أن يرفع هامته، فى الداخل، ولا فى الخارج.

نحن هنا نتحدث عن ٢٥ مليار دولار، إن صح هذا الرقم فنحن أمام كارثة، وإن صح رقم الاستيراد من الخارج ككل، والمشار إليه بـ٨٠ مليار دولار، فنحن أمام كارثة أكبر، الحديث هنا إجمالاً عن أكثر من تريليون جنيه، هناك إذن سفَه فى الفساد، وسفَه فى السياسات الاقتصادية، وسفَه فى الإدارة، وسفَه فى حياتنا العامة، نحن إذن أمام مجتمع بلا رابط، من الصعب بل المستحيل السيطرة فيه على أسعار العملات، أو السيطرة على أسعار السلع، أو حتى السيطرة على الشارع، رغم أننا فى دولة المفترض أنها محكومة بسلطة رسمية، ممثلة فى الرئاسة، والحكومة، والبرلمان، والقضاء، وسلسلة طويلة من المسميات.

هذه الأرقام، أيها السادة، تشير إلى أن هناك مافيا تتحكم فى المال والاقتصاد، مافيا التهريب والتزوير، مافيا التخريب وانعدام الضمير، وكل ذلك تحت سمع وبصر الدولة الرسمية، وإلا لما كانت هذه الأرقام محددة ومعلنة، ما هو معروف فى هذه الحالة أن نسبة ليست قليلة من عائد هذا المستورد تدخل فى جيوب المسؤولين عن التهريب، والمسؤولين عن غض البصر، حتى يمكن لتلك المافيا تحقيق أهدافها بهدوء، ودون ضجيج.

أى أن نسبة من الجمارك، أو الضرائب يتم سدادها بالفعل، ولكن لحساب أشخاص بعينهم، لم يسألهم هذا الجهاز الرقابى أو ذاك: من أين لك هذا؟ كما لم تسأل هذه الأجهزة أو تلك عن مصدر تلك البضاعة المكدسة بالمحال، من أين جاءت؟ ومن هو مستوردها؟ وذلك فى ظل قوانين قاصرة عن علاج كل هذه الثغرات التى يمكن لموظف صغير حصرها، وإعداد دراسة بشأنها لتلافى ما تمثله من خسائر للدولة.

ما هو مؤكد، أن هناك الكثير، والكثير جداً من الدراسات فى هذا الشأن، والتى من خلالها يمكن السيطرة على هذه الأوضاع، إلا أننا فى مجتمع المحروسة اعتدنا أن الأمر حين يتعلق بقطط سمان فإن الأيادى تُغل، والآذان تُصم، كما تخرس الألسنة، وذلك على الرغم من أن مصطلح «الفساد» ربما هو الأكثر ترديداً فى حياتنا اليومية، إلا أنها الإرادة التى لم تتوافر حتى الآن لمواجهة هذه الآفة، التى يمكن من خلال مقاومتها الخروج على المصريين باصطباحة يومية تليق بمتطلبات المرحلة دون الحاجة إلى اصطباحة التسول.