كان يتحدث إلينا بوصفه مأزوماً يشعر بالغدر، لم يختلف كثيرا عن أحد معاونيه فى المؤسسات الذى أحسبه مخلصا مثله لكنهما يفكران فى الواقع بإخضاعه لمفاهيم الانضباط العسكرى، المغدور لا يرى سوى الطعنة التى جاءته ممن كان ينتظر منهم الإحسان ولو بالصمت، يحكى الثانى منزعجا: كيف يكتب ذلك وهو كان أحد الملتحقين بركبنا حتى قبل وصولنا للسلطة؟ لماذا يهاجمنا رغم أنه كان يدعى أنه رجلنا؟ لماذا يشتمنا لمجرد أنه غضب لأننا تجاهلناه مرة؟ الشكوى استمرت والدهشة بدت على الوجه الصارم وتلازمت معها لعنات على تلك القلوب التى تدفع بالإساءة إلى من أحسن إليها «لقد ألحقنا نجله إلى إحدى كلياتنا رغم رسوبه فى الاختبار» الأسى والحيرة اختلطا فى كلام الرجل الذى علت مشاعره على حواره فبات مشدودا إلى حبال المنطق فاختنق بها لأنه لم يصدق ما يجرى..!
«1»
الرئيس فى خطابه الأخير لم يغادر المساحة التى واجه بها معاونه طعنة الكاتب، فالرغبة فى رد الطعنة كان واضحا منذ البداية والإصرار على الكلمة كان فى خبيئة نفس الرئيس لإيصال رسالته التى لم تكن دفاعا بل هجوما لمغدور مأزوم استوجب أن يخرج عن حدود الكلمة المكتوبة التى احتوت نقاطا لإقناع الجماهير بأننا «نعمل بل أنجزنا ولكنكم لا تدركون الحقائق»، لكنها ذهبت إلى مآلات أخرى.
«2»
الرئيس لم يتصور يوما فى خياله أن يتجرأ أحدهم ويدعو لانتخابات رئاسية مبكرة بعد 20 شهرا من حكمه فى ظل يقين أن رصيده كما يعتقد مازال فى صدور المصريين لم ينفد حتى وإن خالطه نقص فى شعبية أو أنين من أوضاع اقتصادية سيئة لأنه يرى أن من خاطر برأسه من أجل إزاحة جماعة ظلامية عن الحكم لابد أن يشعر الناس تجاهه طول الوقت بالإكبار والتقدير وتجاهل العيوب والأخطاء.
«3»
الرئيس يشعر بالفشل فى التواصل مع وسائل الإعلام، فقد كان يظن أن الإعلام ملك اليمين بحسابات اللحظة ومقتضيات الواقع.
«4»
تعامل مؤسسة الحكم مع الإعلام يخلو من رؤية لمفاهيمه وأدواره وعلاقته بالسلطة، فقد غلبت لحظة يونيو على ما عداها من لحظات، فجرى الاعتقاد بأنها لحظة أبدية لن تنتهى دون اعتبار للزمن واختلاف الظروف وطبيعة الإعلام.
«5»
مؤسسة الحكم تدير علاقتها مع الإعلام من باب الاحتواء، فهو الهدف الأسمى والأهم طوال عشرين شهرا دونما رسم خطوط اتصال وانفصال فى ذات الوقت تعبر عن المساحة التى يجب أن تكونها السلطة مع الإعلام، وكذلك الإعلام مع السلطة، فسلطة الهاتف لا تصلح مع من يعتزون بمهنتهم أو يشعرون بذواتهم أو يتمسكون بما يرونه الحق.
«6»
جربت مؤسسة الرئاسة دوائر عديدة فى تواصلها مع الإعلام، فالحفلات والمناسبات العامة هى ترمومتر العلاقة وأدارت الأمر بشكل انتخابى فالحضور للموالاة حتى ولو غادرتها الكفاءة أو التأثير إلا من رحم ربى.
«7»
الرئاسة تعتبر الإعلام أحد مقومات القوة الشاملة، ولهذا تشعر بأنها تتعامل مع أحزاب فى عالم خلا من الأحزاب، ورغم ذلك لا تؤمن بأن هناك تعددية يجب أن يكون عليها الإعلام لأنه التعبير الأهم عن التعددية والتنوع، ولا يمكن أن يكون صدى أو صوت واحد فى الخلفية يهتف فقط دون أن يمارس دوره.
«8»
قوة الإعلام البديل يشعر بها الجميع بما فيها الرئاسة «ذكر السجادة الحمراء فى خطاب الرئيس نموذجا»، ولهذا تحاول أن تتواصل مع أشخاص لديهم متابعون على مواقع التواصل الاجتماعى، ظنا منها أن هؤلاء سيكونون صوتها فى حين أن هؤلاء يفقدون مصداقيتهم عند أول تعليق أو عند أول أزمة يلتزمون فيها الصمت.
«9»
الإعلام البديل لا يمكن السيطرة عليه بآلية من الماضى، فمن خامس أو سادس المستحيلات أن تروض ذلك الوحش إلا بالحقيقة والصدق والعدل فهو مرآة حقيقية للمجتمع حتى وإن ظننت أنه مجرد تمرد إلكترونى «معظم الحسابات على تلك المواقع لشباب بين 15 و35 عاما»
«10»
سيخسر السيسى يوماً بعد يوم فى الإعلام لأن أحوال المصريين ليست كما أرادوا فهم يبحثون عن المعانى وليس المبانى، المعانى هى أن تتحسن نوعية حياتهم وأن يشعروا بأن هدف السلطة الأوحد هو زيادة دخولهم لمواجهة أعباء حياة فى منتهى القسوة.
«11»
سيخسر السيسى فى الإعلام لأن التصور الحاكم هو كونه ذراعاً للسلطة وهو ليس كذلك، فالاستقلالية والحرية هى تعبير عن حيوية مجتمع ورشادة سلطة، إعلام حقيقى سبب للتقدم، فشرط المستقبل ليس بتجهيل الناس بل بالتزام الشفافية وتحرى الحقائق.
وفى الختام: عاود المعاون دعوة ذلك الكاتب، الذى طعنهم ذات مرة، إلى جميع المناسبات الرئاسية، بل وجرى تكريمه لينال منصبا مرموقا، ونسى الجميع أنه كان أحد حواريى دولة داعمة للإخوان، التزم الرجل بمقعده فى دائرة الحب الرئاسى لأنه عاد إلى جادة الصواب ولبس رداء الممثل ووقف على خشبة المسرح ليهتف من جديد..!