هذه «الحملة الإعلامية» الشعواء المستعرة على أمناء الشرطة، وعمليات «الشيطنة الممنهجة» ضدهم مع التعميم، وكأنهم جميعا بلا استثناء مجرد مجرمون عتاه وبلطجية أشرار، سواء كانت حسنة النية أو مُغرِضة، إنما تصيب الشرفاء منهم -وهم الغالبية- باليأس والإحباط والشعور بالظلم والقهر، وتشيع الحزن والأسى والدونية والاضطرابات بين أبنائهم وزوجاتهم، وهو ما ينعكس سلباًعلى أدائهم والجهاز الشرطي كله.. ليس منطقياً أن «أداء» 380 ألف أمين وفرد شرطة بالكامل، لابد أن يكون مثالياً منضبطاً، فهذا ضد طبائع الأمور، إذ الثنائية بين الشيء ونقيضه قائمة دوما، فالخير مقابل الشر، الشروق عكس الغروب.. الليل والنهار، وهكذا.. لست بصدد الدفاع عن أمين أو أمناء شرطة قتلة أو متجاوزون.. فهذا لا يجوز أصلا.. بل يجب إنزال سيف القانون بلا شفقة ولا رحمة على رقبة كل مخطئ وجانٍ سواء كان فرداً أو أميناً، أو ضابطاً كبيراً أو صغيراً، فهذه الجرائم مرفوضة ومُدانة ومُستهجنة ولا يمكن تبريرها.. لا جدال أن تصرفات «بعض» الشرطيين وسلوكياتهم ليست جديدة، ولا بنت اليوم.. فقد اعتادوا التجاوز وارتكاب جرائم لحساب فئة قليلة من ضباط المباحث أو أمن الدولة سابقاً أو الأمن الوطني حالياً، بغية إرغام مشتبه به أو متهم على الاعتراف بجريمة ما، نتيجة نقص التأهيل الفني للضباط، بما يحول دون وصولهم إلى الجناة بالأدلة المادية القاطعة، ومن ثم يلجأون «أحيانا» للضرب والتعذيب وربما التلفيق، استعجالاً وامتثالاً لضغوط قياداتهم أو الرأي العام، لضبط الفاعلين في الجرائم الجنائية أو الإرهابية.. ومعلوم أن أمناء الشرطة وأفرادها كانوا ولايزالون هم «الأدوات» في مثل هذه الانتهاكات، وغيرها مما قد يحدث بالمقار الأمنية والشرطية من تعذيب وقتل أحيانا، وفي تفتيش منازل المتهمين وفي كمائن هنا أو هناك، لتوصيل رسالة من النظام أو أركان فيه، بأن الحكم وتسييس الناس هو بـ«الحديد والنار»، لتخويف المواطنين وإرهابهم للقبول دوماً بما يراه الحُكَّام على مدار الأنظمة.. هذه «المهام» كلها وما يرافقها من تجاوزات، غالباً ما تكون بصحبة ضباط وبأوامر منهم، ومع مرور الوقت وتكرار واعتياد الانتهاكات بأياديهم منذ عشرات السنين، صار البعض منهم يستسهل الارتشاء والتجاوز لحسابه الشخصي، بعد أن توحدت المشاعر لديهم بأنهم القبضة الحديدية للنظام أو الدولة، على شاكلة «حاتم» أمين الشرطة الذي جسَّدَ شخصيته الفنان الراحل خالد صالح، واعتبر نفسه هو مصر، في فيلم «هي فوضى»، بمقولته الشهيرة: «إللي ملوش خير في حاتم.. ملوش خير في مصر»، مع أن مصر لا يمكن أن تتجسد في شخص مهما علا شأنه.. غير أن رؤية الفيلم لـ«حاتم»، لا يمكن تعميمها، بل هو مجرد نموذج موجود، مثلما أن «بعض» الأطباء تُجار، ومهملون، و«البعض» من الإعلاميين والصحفيين زملائي مرتزقة، ومنافقون، ويخاصمون المهنية، وكذا الحال في المحامين، والقضاة، والمهندسين والمدرسين، وكافة الفئات.. فليست هناك فئة ملائكية معصومة.. لكن القضية كلها تكمن في أن الترصد الفعال للتجاوزات وسرعة المحاسبة عليها، هو الرادع للمتجاوزين والخارجين على القانون أيا كانت أسماؤهم أو الفئة أو القبيلة التي تجمعهم.
تجاوزات حاتم والشرطة عموماً، يمكن حسمها بالإجابة على السؤال المهم: هل التجاوزات في «الدواوين الشرطية» هي سياسة دولة أي سيناريو أصلي، أم أنها خروج على النص؟.. على أن تكون الإجابة قولاً وفعلاً، وليس بالتصريحات وحدها وتقبيل الرؤوس.. حين تكون الإجابة قاطعة بأنها «خروج على النص».. عندئذٍ، وربما دون تشريعات جديدة، ومع قليل من التدريب لزيادة المهارات الفنية، ومراعاة المطالب المادية والمعنوية المشروعة لهم وصغار الضباط، ستتلاشى التجاوزات داخل المقار الشرطية وخارجها، أو تنزل إلى الحد الأدنى.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com