على هامش خطاب الرئيس

د. ياسر عبد العزيز السبت 27-02-2016 21:18

س: لماذا يخطب الرؤساء؟

ج: الحديث إلى العموم هو أهم وسائل الاتصال التى يستخدمها الزعماء والقادة. إن تغير طبيعة الاتصال وظهور المستجدات التكنولوجية لم يحدا من أهمية الخطاب، بل ربما زادا من هذه الأهمية.

س: وما الهدف من الخطاب؟

ج: الهدف من الخطاب، على عكس ما يفهم البعض، ليس سوى «خلق المطاوعة»- أى أن الرئيس أو الزعيم، فى أى بلد، يريد أن «يخلق مطاوعة» لدى قطاعات من المستهدفين بالاتصال. و«خلق المطاوعة» لا يعنى الحصول على التأييد المطلق من الجميع، ولكنه عملية معقدة تهدف إلى زيادة طاقة التأييد لدى المحبين، ونقل المحايدين إلى موقع المساندين، وتقليل ذرائع المعارضين، وسلب الكائدين والأعداء الوسائل التى تمكنهم من النيل من القائد ومنظومة عمله.

س: وكيف تراعى رسالة واحدة كل هذه المستويات فى آن واحد؟

ج: هذا هو السبب الذى جعل «الخطاب إلى العموم» علماً، تصدر عنه الأبحاث والكتب والتحليلات، وهو أيضاً السبب الذى جعل الزعماء والقادة يتدربون طويلاً وباستمرار لإتقانه، وجعلهم أيضاً لا يستهينون بأثره، ولا يرتجلون إلا فيما ندر، ولا يصمون آذانهم حين تأتيهم الانتقادات والتحذيرات، بشأن تورطهم فى أخطاء اتصالية أثناء مخاطبتهم للعموم.

س: لكن القائد مثقل بهموم ومسؤوليات، وليس لديه الوقت الذى يخصصه للتدريب على الاتصال؟

ج: لا يوجد ما هو أهم من «خلق المطاوعة» بالنسبة إلى القائد.. تلك هى أهم مسؤولياته. من دون مساندة الجمهور، ودولاب العمل فى الدولة، لا يمكن لقائد أن يحقق نصراً أو إنجازاً أو يواجه تحدياً.

س: أليس الإنجاز على الأرض عملاً أكثر أهمية من الكلام؟

ج: لا. ليس بالضرورة. الإنجاز مسألة مهمة وحيوية وملموسة وصلبة، لكن تسويق السياسات لا يقل أهمية عن السياسات نفسها أحياناً. الناس لا يشعرون سوى بما يعرفونه، ولذلك فإن الكثير من الجهود التى لا يتم تسويقها جيداً، لا يدركها الجمهور على النحو السليم.

س: وما الذى يمنع أن يكون القائد تلقائياً وفطرياً ومباشراً وعلى سجيته، آلا يساعده هذا على الوصول إلى قلوب محبيه، وتكريس عواطفهم نحوه وتأكيد ثقتهم به؟

ج: قد يكون هذا صحيحاً بالنسبة إلى قطاعات الجمهور الموالية والمحبة، لكن ماذا عن هؤلاء المحايدين أو الكارهين والناقدين والمشككين، أو المتربصين والمتصيدين. لا يجب أن تكون التلقائية والعفوية سلاحاً يستخدمه أحد ضد القائد، ولا يجب أن يخاطب زعيم جماعته أو معجبيه فقط.

س: لكن هذا الأمر يبدو غاية فى التعقيد، فهل هناك أمثلة للخطابات الناجحة لتوضيح الأمور؟

ج: بالطبع هناك أمثلة عديدة. فهناك، مثلاً، خطاب أوباما فى «بوسطن»، عام 2004، وهو الخطاب الذى رأى كثيرا من المتخصصين أنه «جعل منه رئيساً»، وخطاب بلير فى ختام ولايته الثالثة كرئيس وزراء للمملكة المتحدة، بل هناك أيضاً خطاب الرئيس السادات فى الكنيست الإسرائيلى.

س: وما الذى يميز مثل تلك الخطابات؟

ج: يميز تلك الخطابات، وغيرها الكثير، عدم الارتجال، والإعداد المسبق الجيد الذى يشمل التدريب على إلقاء النص ولغة الجسد، وأنها توزع اهتمامها على المستويات كلها: المحبون، والمحايدون، والمتابعون، والمراقبون، والكارهون، والمتصيدون.

س: وكيف نعرف أن خطاباً ما نجح فى تحقيق هدفه؟

ج: عندما نفرغ منه، فنشعر أن نسبة تأييدنا بين مساندينا زادت، وأننا استقطبنا بعضاً من المحايدين والمترددين إلى صفوفنا، وأن المتابعين تحدثوا عن خطابنا باحترام وفى الموضوع، وأن الكارهين والمتصيدين لم يجدوا شيئاً يفتعلون به أزمة، أو يصرفون به الأنظار عن رسالتنا.

س: وكيف نعرف أننا فشلنا تماماً؟

ج: حين يخفق مؤيدونا فى الدفاع عن أدائنا، ونخسر المحايدين تماماً، ونعطى الكارهين الأداة التى يمكن أن يقوضوا بها اعتبارنا. وحين نفقد الاعتبار- يسهل جداً الإطاحة بنا.