تمويل صندوف تحيا مصر أصبح هدفا من أهداف السيسى، وهو يحث المصريين دائما على التبرع لبلدهم ومشاركته في تحمل تكلفة بنائها، ودعوته الأخيرة «صبحت على مصر» تسير في نفس المسار، فلماذا لا يشارك المصريون كما هو متوقع؟ ولماذا يتقاعسون عن التبرع لبلدهم الذي يتغنون بحبه؟
تعالوا نحلم بأن الرئيس السيسى استطاع أن يجمع تريليون جنيه في صندوق «تحيا مصر».
السؤال المهم: ماذا سيفعل بها؟
هذا المبلغ الذي يبدو كنزا ضخما لا يساوى شيئا إذا دخل ميزانية المصروفات «المخرومة» في مصر، لذلك سننفقها قبل أن يكمل مدته الرئاسية، ونرجع لنفس النقطة وأسوأ.
أتذكر كتابا خطيرا للاقتصادى الدكتور نادر فرجانى بعنوان «هدر الإمكانية»، يتحدث فيه عن ثروات العرب الهائلة التي تضخمت بجنون، خاصة مع طفرة ارتفاع سعر النفط عقب حرب 73، وكان الكتاب يتحدث بلغة اقتصادية واقعية وبسيطة عن طريقة العرب في التعامل مع هذه الثروة، وكأنه يقول إنها كانت نقمة، لأنها مثل ثروة هبطت بالحظ والصدفة على شخص غير مؤهل، فأنفقها على المفاسد والموبقات، والاستهلاك المظهرى الفارغ.
العبرة، إذن، ليست بتوفر الإمكانيات المادية فقط، لكن بالخطة التي نضعها لإدارة هذه الإمكانيات، وأظن أن السيسى لديه خطة لاستثمار أموال الصندوق، أو أي أموال في خزينة البلد، وفى كل خطاب يتحدث عن المليارات التي تنفق على بعض المشاريع التي يتوقع أن تفرخ فرجا على الناس مع الوقت، أنه يعرض علينا هذه المشاريع بعد بدء تنفيذها وليس قبلها، بل إن بعضها يصرح بنفسه بأنه يخاف أن يفرح الناس بها خوفا من الأشرار وعين الحسود .
وهذا خطأ كبير لأنه يجعل العلاقة بين الحاكم والمواطن أحادية، وليست ثنائية، المواطن الصالح في عرف الدولة، أن يثق بها ويطمئن أنها راجعت الخبراء ودراسات الجدوى وأن كل شىء «تحت السيطرة»، أو كما قال الرئيس السيسى أن علينا أن نسمع كلامه هو وبس، حتى لا نترك عقولنا لمن يدبرون لنا المكائد والمؤامرات ولا يريدون لنا تقدما ولا ازدهارا.
وفي حالة سؤالك عن أولويات الصرف وأهداف الخطة الاقتصادية، فأنت مواطن «مناكف» تتدخل فيما لا يعنيك، وهذه الطريقة «الميرى» طريقة لا تليق بالعلاقة التي كنا نطمح إليها وخاصة أن الرئيس كان يعدنا دائما بالمشاركة، وكان يردد دائما: أنا لا أستطيع أن أنجز شيئا دونكم يا مصريون، ولكننى اقتنعت أنه يقصد بالمشاركة أن نتركه يفعل ما يراه صوابا، ونشاركه فرحة هذا الإنجاز في النهاية وتمويله في البداية.
لا أعرف المفهوم الاقتصادى الأمثل الذي يجب أن نتبعه لنخرج من هذا التعثر، جمع الأموال وجذب الاستثمارات ليس هدفا في حد ذاته، لكنه وسيلة لتحسين حياة الناس والقضاء على البطالة وتأمينهم وشعورهم بالسعادة والرضا، ومن هنا يكون الاستثمارات في قطاعات ذات عمالة كثيفة أفضل من الاستثمار في قطاع عمالته قليلة حتى لو كانت أرباحه أعلى.
نعم، نريد أن نشارك في بناء بلدنا، لكن المشاركة تقتضى أن نناقش الميزانية بتوسع، ونعرف بنود الإنفاق وأولوياته، والمشروعات الاستراتيجية يجب أن تعلن للمواطنين بعد دراسات الجدوى، ويتم توضيح كل خطوة فيها عن طريق الصحف والبرامج التليفزيونية التي لا تجد شيئا مفيدا تقوله، ويترك للمواطن حرية اختيار المشروع الذي يشارك فيه أو يتبرع له ويحصل في مقابل ذلك على سند أو سهم ملكية، أو ما يفيد حصته، وبهذا نبنى مصر ليس بالحب الرومانسى لتحيا مصر و|متقلش إيه إدتنا مصر قول هندى إيه لمصر، ولكن باختيارنا وإرادتنا، ونشعر أننا شركاء فيما بنيناه وأنجزناه.
الشعب لم يعد يقبل التهميش، يريد أن يفهم ويقتنع ويعارض ويوافق، قرارات الرؤساء لم تعد إلهية، كل شىء صار مباحا للمناقشة والتساؤل والأخذ والرد وربما يكن هناك تزيد في ذلك ومغالاة في ردود الأفعال والتأويل.
أنا أعتقد أن السيسى يجاهد ويجتهد على قدر طاقته، ويبدو مأزوما مثلنا، وهو يحدثنا دائما عن التأخير وضرورة مسابقة الزمن، لكنه مثلنا لا يعرف الطريق.. وإن حاول أن يبدو غير ذلك .
أشعر أننا جميعا مثل راقصين في طقس بدائي، يبذلون جهدا كبيرا، لكن خطواتهم محكومة بمساحة محدودة، يدورون فيها ساعات وساعات، خطواتنا لا تعرف الدروب، ولا تمضى في رحلة، هناك من يحاول لكن كيف يخرج من الحلبة الضيقة والتزاحم الكبير؟
كيف يمكن لرئيس دولة تتعلق به الآمال أن يقود شعبا محشورا في فقاعة؟، أليس من المنطقى أن يحررهم من هذه اللعنة أولا؟ أن يقدم لهم برنامجا لرحلة مثيرة نصطاد فيها الأمل الهارب؟
أريد أن أصدق أنه وأنكم، وأننى، نسير في مسار نحو المستقبل.
ektebly@hotmail.com