ضجيج عكاشة

جيهان فوزي الجمعة 26-02-2016 21:11

هل كان ينقص توفيق عكاشة مالك «قناة الفراعين» شهرة وضجيجا أكثر مما يثيره يوميا بتصريحاته الغريبة في كل محفل وأى مناسبة ويعكر فيها الأجواء؟! ما الهدف المنشود من وراء دعوته للسفير الإسرائيلى في القاهرة «حاييم كورين» وهذا الصخب الذي أثاره من حوله بعد تلك الدعوة المشبوهة، وساهمت في تلميع صورة السفير الإسرائيلى وتسليط الضوء عليه؟!

عكاشة الذي طالما أثار الجدل بسبب تصرفاته يعتبر إسرائيل هي «مفتاح السر»، وربما تكون الأمل أيضا لإنقاذ مصر من كارثة سد النهضة بل حل معضلة القضية الفلسطينية العالقة بين السماء والأرض تراوح في مكانها منذ عقود!! ويبدو أن عكاشة قد نصب نفسه مسؤولا عن حل القضايا المصيرية والشائكة التي تعانى منها مصر وفلسطين على حد سواء! بعد أن عجز القادة على إيجاد الحلول، خاصة أن عكاشة لديه آراء تعبر بوضوح عن موقفه من إسرائيل، ويبدو أن هذه الآراء تضخمت فتحولت إلى رسالة سماوية قادرا على تنفيذها، فهو يرى أن لليهود الحق في الأراضى الفلسطينية، وقال نصا: «اليهود لهم أحقية في تراثهم وهو ثابت في كتاب الله «القرآن الكريم»، وقال إن المسلمين ليس لهم في القدس غير المسجد الأقصى ومابقى من تراث مشترك مع اليهود! ولم يخف رغبته في الظهور على إحدى القنوات الإسرائيلية إذا ما وجهت له دعوة (استكمالا لنشر أفكاره الفذة لحل قضية الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى الدائر منذ عقود)، بل يتباهى بأنه تحكمه علاقات متميزة مع عدد من اليهود في إسرائيل، وأنه مستعد للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى نفسه فالرئيس أنور السادات عندما ذهب إليهم في بيتهم لم يكن أكثر منه شجاعة.

إذا كانت تلك قناعات الرجل منذ سنوات فليس من المستغرب أن تلقى دعوته هذه الحفاوة من المراقبين الإسرائيليين الذين اعتبروا أن هذا اللقاء تاريخي وغير مسبوق، بالنظر إلى السياسيين المصريين الذين يمتنعون عن إجراء لقاءات علنية مع مسؤولين إسرائيليين خشية اتهامهم بالتطبيع لأن عكاشة يمثل نبضا إعلاميا وبرلمانيا موجودا في الشارع المصري، وهذا بمثابة رجوع مشاعر الحب والمودة بين مصر وإسرائيل على المستوى الشعبي، بل اعتبر بعضهم أن اللقاء يدل على رغبة في القيادة المصرية للتقرب من إسرائيل، خاصة أن عكاشة وجه دعوته للسفير الإسرائيلى بعلم أجهزة الأمن!.

الزوبعة التي أثارها توفيق عكاشة بهذه الدعوة زادت من شهرته الغوغائية وسلطت عليه الأضواء بل أعطته ثقلا لا يستحقه، فعندما يركز في حديثه على مشاوراته البناءة مع السفير الإسرائيلى حول قضايا أمن قومى لا يخول الخوض فيها إلا من هم في مواقع سيادية أو الأجهزة الأمنية، فهو بذلك يتعمد وضع نفسه في بؤرة الاختلاف عليه وليس معه، لأنه عمليا ليس له ثقل سياسى أو منوطا للحديث باسم الدولة، وبالتالى فإن أي أحاديث تدور في هذا الإطار هي مجرد ثرثرات للاستهلاك المحلى والشو الإعلامى، وإسرائيل تدرك جيدا أنها قادرة على استغلال أي فرصة تثير الجدل وبالذات إذا ما تعلق الأمر بالتطبيع، فالإعلام الإسرائيلى لم يهتم بالدعوة التي وجهت لسفيرهم في القاهرة، إلا بعد أن أثارت حالة غضب في الشارع المصرى والبرلمان لأن استقباله للسفير الإسرائيلى جاءت كتحد سافر لقرارات البرلمان بمنع تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقد نجح عكاشة في لفت الأنظار إليه وتوجيه ضربة لمجلس النواب الذي هو واحد من أعضائه ويمثل قراراته.

أما فيما يخص إسرائيل فإن شخصا بحجم عكاشة وإن نفخوا في صورته لا يشكل وزنا داخل إسرائيل أو في سياستها الخارجية، وعندما يعتقد عكاشة بأن انتقاده لسياسات نتنياهو سيؤخذ في الاعتبار وحديثه عن وساطة إسرائيلية لحل أزمة سد النهضة لهو الغباء السياسى بعينه، لأن إسرائيل طرف أساسى ومحرك فاعل في الأزمة وغاية طموحها إنجاز السد وليس تدميره، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد تورط إسرائيل في دعم إثيوبيا في تجاه إكمال بناء السد مهما كانت العواقب، لأنه يشكل مصلحة عليا لسرائيل أيضا، وإذا كان يعتقد عكاشة بأن حديثه مع السفير حول القضية الفلسطينية سيتحول بين ليلة وضحاها إلى حلول سحرية، تقتنع إسرائيل بآرائه ومقترحاته وتوافق على حل الدولتين الذي فشلت فيه أمريكا الراعية والداعمة لإسرائيل أمنيا واقتصاديا وسياسيا، واستنزفت سنوات طويلة ومرهقة من المفاوضات المعقدة التي أثبتت فشلها وعبثيتها، فماذا يمكن القول؟!

لم ينجح لقاء عكاشة بالسفير الإسرائيلى إلا في إثارة حالة من الضجيج وإثارة الجدل حوله من جديد بالعودة إلى طرح قضية التطبيع مع إسرائيل، تلك القضية التي حسم أمرها منذ زمن، وأثبتت لإسرائيل فشلها بعد أن اعتقدت للحظة أن حبل المودة والتواصل عاد ليمتد بين مصر وإسرائيل شعبيا وهذا ما لم يحدث.