هل فات الأوان؟

عبد الناصر سلامة الجمعة 26-02-2016 21:11

فى ماليزيا تضاعف دخل الفرد 20 مرّة خلال عشرين عاماً، وفى تركيا تضاعف عشر مرات خلال عشر سنوات، وفى سنغافورة كذلك، وفى كوريا الجنوبية أيضاً، العديد من الدول الأفريقية والآسيوية وضعت لنفسها خططا تنموية ناجحة وفاعلة طويلة المدى، إلا أنها فى الوقت نفسه كان لابد أن تقدم كشف حساب لشعوبها شهراً بعد شهر، أو عاماً تلو الآخر.

لا يمكن بأى حال التحدث عن وعود بتحقيق الديمقراطية بعد 20 أو 25 عاماً، دون تحقيق خطوات ملموسة على أرض الواقع، عاماً بعد عام، ولا يمكن الإعلان عن تنمية مستدامة بعد 47 عاما، دون أن تكون هناك خطط خمسية، أو سنوية، أو أياً كانت، حتى يعى المواطن أن الكلام ليس هزلاً، ولا يمكن أيضاً بأى حال الإعلان عما يُسمى «رؤية مستقبلية»، بعد 15 عاما، دون معطيات سنوية، تتحدث عن تفاصيل كل محور على حدة، بالتوازى مع بوادر رخاء يشعر بها المواطن يوماً بعد يوم.

من الصعب أن نطلب من المواطنين الصبر على البلاء، إلى أن نلتقى ونتحاسب بعد 15 أو عشرين عاماً، فلا المواطنون هم المواطنون، ولا البلد هو البلد، ولا الحال هو الحال، مَن سيحاسب مَن إذن، من الواضح أن الورثة سوف يحاسبون بعضهم بعضاً، ورثة المواطنين يحاسبون ورثة الحكام، إذا كان الدستور لم ينص على ذلك، أو لم يمنح ورثة المواطنين هذا الحق، فنحن أمام هراء، يُذكِّرنى ذلك بتلك اللافتة الشهيرة على ذلك المطعم المغمور «الأكل بُكرة ببلاش»، وبالتأكيد لم يأتِ بُكرة أبداً، ولن يأتى.

بالتأكيد لن نستطيع التفاؤل فى ظل وجود هذه النوعية من الحكومات، أو الوزراء، لن نستطيع أن نثق فى أى وعود، فى ظل ذلك الفشل فى السيطرة على قيمة العُملة المحلية، ولا فى السيطرة على أسعار المواد الأساسية، ولا تحقيق نسبة نمو تتوافق مع إمكانيات البلاد الطبيعية والبشرية، ولا فى ظل ذلك الانقسام الحاصل فى المجتمع، دون أى محاولات للإنقاذ والترميم.

هذه السياسات العشوائية أيها السادة، وهذه الوعود الهوائية، لم تعد تلقَ اهتماماً شعبياً، كما لم تعد تجد تجاوباً من أى نوع، فإذا كان الخطاب موجهاً إلى العامة، فإن ما يعنيهم بالدرجة الأولى هو النتيجة على أرض الواقع، أى أن يشعر المواطن بأن هناك شيئا ما يتحقق، وبصفة خاصة فى مستوى معيشته، التى تزداد ضنكاً يوما بعد يوم، وإذا كان الخطاب موجهاً إلى الخاصة، فليكن هناك احترام للعقل والمنطق، ليكن الحديث بالأرقام والوثائق، فمن العجب العجاب أن نظل نسمع حتى الآن حديثاً عن تفريعة قناة السويس، مستخدمين تعبير قناة السويس الجديدة، أو نسمع الحديث عنها على أنها أحد الإنجازات، على الرغم من الفشل الكبير الذى أحاط بالمشروع، والتهم مدخرات المواطنين بشكل غير مسبوق.

أيضاً من الغريب، وعدم احترام عقول الناس، أن نظل نتحدث عن مشروع الضبعة النووى على أنه أحد الإنجازات، على الرغم مما يحيط بالمشروع من تحفظات كبيرة، ربما لم يعد جائزا تناولها، وهذا هو سر حظر الكلام أو النشر فى الموضوع، من الغريب والعجيب معاً أن نتحدث عن تنقية مياه الصرف الصحى على أنها أحد الإنجازات، فى الوقت الذى فرَّطنا فيه فى مياه النيل، ووقَّعنا على إقامة السد الذى يمنع عنا المياه التاريخية، لتصبح «المحروسة» بذلك هبة المجارى، بدلا من هبة النيل.

ما الذى يجعلنا إذن نثق فى الوعود فيما يتعلق بما هو قادم، إذا كان الفشل يخيّم على ما هو حاضر، ما الذى يجعلنا نعيش على مجرد وعود وكلام معسول، دون اعتبار للمنطق، لأن هناك واحداً فقط هو الذى يفكر، وهو الذى يخطط، وهو الذى يفهم فى كل شىء، وهو الذى لديه الحلول لكل شىء، وبالتالى هو الوحيد الذى يجب أن نستمع إليه ونصدقه، على حد قوله، أو على حد طلبه.

ما هكذا أبداً تُدار الأوطان، ولا حتى المؤسسات، ولا العِزَب والأبعديات، ما هكذا دولة المؤسسات، ولا هكذا يمكن استمالة الشعوب طوال الوقت، مهما كانت حسنة النية تجاه قيادتها، ولنَعُد إلى استطلاعات الرأى الآن، ونقارنها بما كانت عليه قبل عامين، أو أقل قليلاً، لنكتشف أننا أمام فاجعة كبيرة، وأننا لن نستطيع خداع الناس أكثر من ذلك.

لنُعِد النظر إذن فى رؤيتنا المستقبلية، وفى تنميتنا المستدامة، وفى ديمقراطيتنا، وربما فى كل شىء، فقط نأمل ألا يكون قد فات الأوان.