جوزيف ليبرمان يكتب : غياب القيادة الأمريكية يجعل العالم أكثر خطورة من أى وقت مضى

اخبار الخميس 25-02-2016 21:23

منذ أكثر من خمسين عام يجتمع قادة الأمن القومى بدول العالم فى «مؤتمر ميونيخ للأمن»، الذى خرج من رحم الحرب الباردة، إذ تم تأسيسه ليصبح مقراً لاجتماع حلفاء الغرب فى تصديهم للتهديدات الشيوعية، وكان لى امتياز حضور نصف تلك الاجتماعات، منذ انهيار الاتحاد السوفيتى خلال حقبة التسعينيات حتى اندلاع الحروب التى أعقبت هجمات 11 سبتمبر، ولكن أياً من الاجتماعات السابقة لم يكن مثيراً للقلاقل والمشكلات كحال الاجتماع الأخير لقادة الأمن.

والسبب فى هذا هو أن العالم لم يُعانِ غياب القيادة مثلما يعانيها الآن، حيث لا صوت يعلو فوق ردود فعل المتطرفين والفتوات، الذين أمسكوا بزمام الفعل وصارت لهم دوماً مبادرة اتخاذه، والحقيقة الجلية للجميع هى أن العالم صار يعانى حالة من عدم الاستقرار أكثر من أى وقت مضى، ولم يمر بلحظة كهذه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بظهور التهديدات التى تأتى من تصاعد قوى ذات مطامح توسعية، مثل إيران وروسيا والصين، هذا إلى جانب الخطر الذى تمثله التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و«القاعدة»، ويمكن تلخيص هذا المشهد فى جملة واحدة، نصها: «إن أعداء الحريات يمضون فى مسيرتهم الحاشدة».

فى الوقت نفسه نجد أن الولايات المتحدة، التى امتلكت زمام القيادة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، وحملت على عاتقها مهمة حماية الأمن الداخلى، وضمان تحقيق الرخاء وإرساء الحريات عالمياً، اختارت فى تلك اللحظة الراهنة والحرجة أن تتبنى موقفاً سلبياً إزاء المخاطر والتهديدات التى تحف بالعالم.

بالطبع لم يكن غياب القيادة الأمريكية سبباً فى سيادة الاضطرابات التى ضربت أنحاء عديدة من العالم، ولكنه ساعد على تصاعدها، ونجد على سبيل المثال أنه فى الوقت الذى تواجد فيه خطر «التطرف الإسلامى» على مدار العقود العديدة الماضية، فإن الانسحاب السياسى والعسكرى للولايات المتحدة من العراق، وكذلك إخفاقها فى تهدئة الأوضاع فى سوريا، أديا إلى حدوث فجوة فى قلب الشرق الأوسط، وهى الفجوة التى استغلتها أخطر القوى المعادية لأمريكا فى المنطقة، متمثلة فى المتطرفين السُّنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والنتيجة كانت خلق مأوى للإرهاب، الذى تزايد حجمه واستشرت ظاهرته على نحو غير مسبوق، فيما تصاعد نفوذ إيران لدى العديد من العواصم العربية.

من ناحية أخرى، سعى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى استغلال تلك الفجوة، وكانت البداية استيلاءه على جزيرة القرم، والتحرك شرق أوكرانيا عام 2014، بينما اكتفت الولايات المتحدة بالتعليق على هذا الخلل فى النظام العالمى بكلمات تحمل معانى الغضب، وحِزم من العقوبات التى استهدفت موسكو، ولكنها فى الوقت نفسه رفضت تقديم الأسلحة الدفاعية لأوكرانيا، والتى كان من الممكن أن تكبّد روسيا خسائر عسكرية مقابل جرأتها وسياساتها المغامرة، وبدلًا من أن تسعى الولايات المتحدة لردع روسيا وإقصائها عن تمدد توسعها وعدوانها، سيطر تردد الإدارة الأمريكية فى اتخاذ القرار المناسب على المشهد ما أعطى إشارة للكرملين بأن الولايات المتحدة نفسها يمكن أن تُردع لو أنها اعترضت مسيرة روسيا واتخذت أى موقف ضد جرأتها وحسمها.

وسرعان ما تلقف بوتين كل ما هو مستفاد من الدرس الأمريكى، فمدّد توسعاته العسكرية إلى سوريا، ونشر قواته على أرضها لتخوض حرباً من شأنها حسر موجة الغضب والحرب الرامية لإنهاك قوة الرئيس السورى بشار الأسد، ورغم وجود توقعات وتحذيرات بشأن «ورطة» سيحدثها التدخل الروسى تحققت التوقعات بالفعل، وصارت روسيا قوة يُعتد بها فى منطقة حيوية جديدة، وماذا كان رد فعل الولايات المتحدة فى هذا الصدد؟ طلبت من بوتين المساعدة على وقف إطلاق النار فى حرب يعمل هو على إشعال فتيلها وتغذيتها باستمرار.

التوجه نفسه انطبق على سياسات الولايات المتحدة وردود فعلها فى أكثر من منطقة خلال السنوات الأخيرة، وبدأت تتعامل مع خصومها باعتبارهم مشاركين أساسيين يتعين التودد إليهم، وأهملت الحلفاء والشركاء الذين ربطتهم بالولايات المتحدة علاقات وثيقة على مدار التاريخ، بل وتعاملت معهم باعتبارهم أطرافا غير مناسبة وربما عقبات تحول دون تحقيق السلام، فيما تسرب الإحباط إلى الحلفاء الذين أدركوا أنه ليس باستطاعتهم معالجة الأزمات الأمنية التى تواجههم دون مساعدة الولايات المتحدة.

وفى مؤتمر ميونيخ، هذا الشهر، صدّقت الولايات المتحدة على قرار تقليص دورها، بوصولها لاتفاق بشأن سوريا يُعلى من نفوذ وموقف روسيا، ويفرض المزيد من الضغوط على المعارضة السورية، ويقلص الفرص المتاحة لإنهاء حملة العنف العشوائية المثارة نيابة عن نظام الأسد ضد الشعب السورى الذى طالت معاناته. ربما لا يكون هناك شخص واحد من حاضرى مؤتمر ميونيخ يعتقد فى نجاعة هذا الاتفاق، ما دفعنى إلى التطرق للحديث عن تلك المخاوف التى ساورتنى بشأن الأوضاع العالمية مع أحد الدبلوماسيين العرب، الذى اتفق معى فى الرأى وأقرّ بأن الوضع سيكون أسوأ فى مؤتمر ميونيخ المقبل.

غير أن أفضل سبل تفادى هذه التوقعات المريرة هو أن تستعيد الولايات المتحدة دورها القيادى التاريخى، ولن يتحقق هذا بالفعل المنفرد، وإنما سيتحقق من خلال حالة من الاتساق والتناغم فى ردود الفعل الدولية من جانب الحلفاء والدول الصديقة التى تتوق إلى هذا التعاون.

وفى حديث أُجرى مع أحد القادة الأوربيين، طُرح سؤال بشأن ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتكون أفضل معاون له ولبلاده، فأجاب على الفور: «انتخبوا رئيساً يفهم أهمية الدور القيادى الذى تلعبه أمريكا على الساحة العالمية».

نقلاً عن صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية

ترجمة- أمانى عبدالغنى