حتى الآن لا أفهم كيف يصحو «إعلامى ما» على مكالمة من «جهاز سيادى» ليتلقى الأوامر: «قل ولا تقل»، ولا أستوعب كيف يكون الولاء للجهاز الذى يضع الصحفى أو الإعلامى فى أرقى المناصب بدلاً من أن يكون الولاء للبلد وللشعب؟!.
لكن النائب «توفيق عكاشة» يفك لنا شفرة العلاقة المشبوهة بعبارة: «خدونى لحم ورمونى عضم»!!.. وهو يندب تعنت الأجهزة معه فى برنامج «السادة المحترمون»، مع الإعلامى «يوسف الحسينى».
حين عُرض البرنامج لم أتحمس للكتابة عن «عكاشة»، ربما لأننى لم أكن يوما من المهاويس به، ولم أتشرف بمتابعة قناة الست والدته «الفراعين»، ولم تسعدنى حالة صراع الأجهزة ولا مشاهدة أنصار ثورة 30 يونيو وهم يبتلعون الثورة طمعا فى أكبر نصيب من كعكة الحكم!.
لكن إصرار «عكاشة» على الفتك بمجلس النواب، وتحويله إلى أضحوكة أمام العالم ومسرحية هزلية دفعنى للسؤال: (هل يتوقف «عكاشة» عن الهرتلة وإحراج الدولة المصرية إذا رضيت عنه الأجهزة السيادية مرة أخرى وأعطته ما يريد؟).
لقد فشل «عكاشة» فى انتزاع رئاسة مجلس النواب من قبضة النظام، وربما خسر ثقة الأجهزة فيه بعد أن فتح نيرانه المكثفة على الجميع، ثم تراجع عن تصريحاته الخرقاء التى أكدت نيته تقديم استقالته من البرلمان، بعدما حصل على ما يزيد على 90 ألف صوت انتخابى، والهجرة من مصر وطلب اللجوء السياسى إلى ألمانيا، فخسر قدرا كبيرا من شعبيته.
أصبح «النائب- الدكتور» ضعيفا إلى درجة الهجوم على مواطن ضعيف أمام مجلس النواب لأنه قال له: (أنا بأيد السيسى وعايزك تساعدنى فى وظيفة أو أى عمل).. فرد عليه عكاشة قائلا: (روح للى انتخبته أهو موجود فى الاتحادية روح خليه يصرف عليك).. ثم دفعه بيده!!.
«عكاشة» أدمن الخطأ والاعتذار، فهو يهاجم الإعلاميين ثم يعتذر لهم، يقول للدكتور «على عبدالعال»، رئيس مجلس النواب: (إنت جيت غلط)، وحين يتهدده التحقيق ويطرد مرتين من جلسة المجلس يعتذر.. يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة ربما ينتبه الرئيس إلى أنه أصبح منبوذا من الأجهزة ثم يبتلع لسانه.. ومع كل فرقعة و«افتكاسة» جديدة يضحك الناس وكأنهم يشاهدون «موجة كوميدى»، ثم يعود «عكاشة» إلى إحباطه وعجزه عن الضغط على النظام لتتويجه بطلا قوميا.
أدرك جيدا أن «عقدة الاضطهاد» تولد الرغبة فى الانتقام، لكننى لا أستطيع الحكم على دوافع «عكاشة»، فى إحراج الدولة المصرية بدعوة السفير الإسرائيلى «حاييم كورن» للعشاء، وهى دعوة محسوبة على مجلس النواب بأكمله، الذى يمتنع عن التطبيع مع الكيان الصهيونى منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»!.
يبرر «عكاشة» دعوته المريبة بأنها لمناقشة بعض الأمور، بشأن كتاب «دولة الرب والماسونية والألفية السعيدة»!!.. ولا يهتم بصورة مصر ولا بمواقفها ولا بنضال الشعب المصرى ضد التطبيع، ولا حتى بالرأى العام فهو يقول: (أنا المفروض يعملولى تمثال جنب الهرم بعد كمية الشتايم دى، عشان اتحملت كتير).
«توفيق عكاشة» نموذج مثالى للعلاقة بين الأجهزة والإعلام، يكشف كيف تحمى الأجهزة رجالها (عندما هدده رجال «خيرت الشاطر» أخفته الأجهزة هو و«حياة الدرديرى»).. وكيف ينقلب عملاء الأجهزة عليها ويصبحون أكثر شراسة من كل الخصوم!.
الحقيقة أن «عكاشة» ليس وحده، فلدينا العديد من الأمنجية وكتبة التقارير فى الوسط الصحفى والإعلامى، لكنهم يلتزمون بشروط العلاقة: (قل ما نمليه عليك ولا تطمع فى أكثر مما نمنحه لك)!.
هؤلاء لا يمكن التشكيك فى وطنيتهم، لكن مهنيتهم مشوهة وغير أمينة، يرون الحقيقة من زاوية واحدة بعيون «أولياء نعمتهم».. ورغم أن جميع الأجهزة السيادية وطنية، ويفترض أن تعمل لصالح الوطن وأبنائه، إلا أنه لا يجوز استقطاب الإعلام وتوجيهه فى بلد ننشده ديمقراطيا وعادلا.
أخطأ «عكاشة» حين تحول لمجرد أداة من أدوات النظام، ولم يقنع بعطايا المانح، فسقط من فوق «القمة» التى صنعوها به وله.. فى حين كان بجواره من يطمح لرئاسة مجلس النواب، لكنه تراجع حين رأى أن المنصب «خط أحمر».. ربما لأنه أكثر دهاءً!.
إذا أردت أن تصبح لاعبا فى «سيرك سياسى» فتدرب جيدا على الطاعة العمياء.. مثلما يفعل الآن من يحرقون «عكاشة» لحساب من دربهم جميعا!!.