الوزير والمواطن

محمد عبد الخالق مساهل الخميس 25-02-2016 13:21

سمعت خطاب الرئيس أمس سماعا متأنيا متأملا ..سمعته بعقل واع ٍ كلمة كلمة وانتبهت لرسائله العديدة.. وما أكثر ما تستوقفك الكلمات وما أكثر ما تعترضك الرسائل.. ترجمت عيناى ما التقطه الأذن، قبل نومي إلى أشباح ليل ..رأيت بقايا ظلام سياسي عادت تتضخم ..ثقيلة ..كثيفة.. فوق رؤوس المصريين وأنا منهم لتشكل ملامح «فزع عام» كنت أتوهم أن مقامع ثورتين فتتها وحولتها إلى أشلاء ذهبت بلا إياب ..تصورت أن مصر بدأت تعود، رويدا رويدا، إلى عهد ما بعد الملكية وتلك الآلة الناصرية الرهيبة، وأن ثقوبا في ضمير المسؤولية الوطنية تتسع لتبتلع الدستور والثوابت السياسية والسوابق واللاوحق القانونية ..لم تكذب أذني عندما سمعت الرئيس وهو ينبري للدفاع عن الوزراء قائلا :«إنت عايز إيه من الوزير، هو بياخد منك إيه .» هذا هو السؤال، وعندي بعض من الرد وليس كل الرد ..استوقفني هذا القول، لأنه وبعيدا عن حديث الانجازات التي استعرضها الرئيس، والوعيد الذي غشى الوعود الرئاسية العديدة، ومبادرة تحية الصباح «المدرسية» مقابل جنيه واحد، وهي وبحق جديدة وفريدة .

استوقفني لأنه يضرب عصب الحكم الرشيد في مقتل ويصيب كل من يتصدى للمعارضة إصابة دامية ..سمعت هذا القول كصحفي هذه المرة، قبل أن أكون مواطنا ..فرأيت أن من واجبي أن أناقش وأستفسر ولن أخوض في المقاصد، فقد تعلمنا أن الكلمة بمنطوقها ولفظها وأنها تقتصر فقط على معناها ولا تتجاوز حدود مبناها ..هكذا تعلمنا ..وهكذا فهمنا ..بداية نعيد كلمة الوزير إلى أصلها واشتقاقها اللغوي فنجد أنها، أي جاءت من مادة وِزر، وهي تعني الحمل الثقيل والمرهق والشاق، وهناك من يقول إنها مأخوذة من الوَزَر الذي هو الملجأ، وقيل إنها مشتقة من الأزْر، وهو الظهر، ولكني لن أتحدث عن مخالفات الوزراء أو المسؤولية التتابعية التي يتحملها رئيس الحكومة ..فمظاهرها حولنا في الشارع والبيت والعمل وكل مكان، حتى صارت بديهة.. حقيقة ظاهرة بذاتها لا تحتاج إلى تدليل أو برهان. الرئيس تحدث عن سيادة القانون، وأوفقه أنها الحل.. لكن القانون يقوم على قواعد، والقاعدة القانونية عامة مثلما هي مجردة.. فهي عامة تنطبق على الجميع دون تفريق بسبب لون أو عرق أو دين، ومجردة لأنها لا تعرف المحسوسات أو المعنويات أو تعترف بالأسماء والمناصب، فالكل أمام العدالة سواء ..فلا فضل لوزير على غفير ولا مدير على أجير ..انطلاقا من هذا لا أريد أن أفهم أن الرئيس يريد أن يعفي الوزراء من النقد ويتحمل عنهم مسؤولية الرد ..وانطلاقا من هذا أيضا أرى أن رأس الدولة عليه أن يختار لنا وزراء بمعايير علمية وخبرات عملية فائقة وكفاءات متخصصة كل في مجاله، حتى يضيق هامش اللوم والنقد وينكمش تلقائيا ..رغم أن اتساع هذا الهامش، هو علامة بارزة على صحة الممارسة الديمقراطية ..لقد رسخ في جميع الديمقراطيات العالمية حق النقد العلني والذي يقابله حق للرد العلني أيضا، ملثما يكفل لنا المشرع المصري حق القذف، الذي هو اتهام للمسؤول مشفوعا بالحجج والأسانيد والمستندات، في مقابل حقه الأصيل في تبرئه نفسه في ساحات القضاء وفي جلسات علنية ..لا أريد أن أرى كهنوتا جديدا يتشكل في بيت الحكم، أو صكوك غفران مجانية توزع على الخطائين في حق المصريين دون الجلوس على كرسي الاعتراف والاستتابة، وفي كل الأحوال فقد انتهى زمن الباباوات، الذي تفشى فيه التفتيش داخل الضمائر وتنقيب السرائر ..ما نريده من الوزير هو حسن السيرة وسلامة السريرة ..وما الإعلام الحقيقي إلا مرآة تعكس هذا مثلما تسلط الضوء على ذاك، والأقلام الشريفة هي أنوار كاشفة تسلط الضوء على الحسنات وتصفق لها مثلما تشنع السيئات وتقبح إتيانها، ولا دافع عندها إلا تحسين الأداء أملا في القضاء على الداء، والبحث عن الدواء، ولنا أن نقول ما قال مالك في الخمر ولو كانت مقولاتنا سياطا تلهب الظهر ..إذا كان الوزير مؤديا لدوره بكفاءة واقتدار، فهذا من مقتضيات منصبه وإذا كان مقصرا فهذا من موجبات محاسبته ..ولماذا لا يتم تعديل القانون رقم 79 لسنة 1958 الخاص بمحاكمة الوزراء الذي مازال ساريا، إنه يواجه عراقيل إجرائية تمنع تشكيل المحكمة ،والتي يقتضى تشكيلها من 12 عضوا من أعضاء مجلس الأمة، ومحكمة النقض، بحيث يكون نصف الأعضاء مصريا والآخر سوريا، فلابد من إزالة تلك العقبة وتنقيح القانون بأن يكون أعضاء المحكمة مصريين خالصين.

أما أن تتحول الصحافة والإعلام لمسرح يعد الكاميرات الثابتة والمتنقلة ليلتقط صورا تذكارية معدة سلفا للوزير في أثناء زيارته المفاجئة وتحويل هذا للتحقيق والبطش بهذا وتعنيف ذاك، كي يستدر تصفيقا من الجماهير الهادرة، فتلك هي البكائية المضحكة، والهزلية المبكية ..ولا أخفيك قولا عندما أقول إن الحكومة هي المسؤولة عن جميع الخطايا والبلايا التي يعاني منها الشعب، قررات خاطئة متسرعة دون دراسة وحلول معلبة مستوردة دون آليات تطبيق .هناك مواطن يبيع جزء من جسده كي يسدد فواتيره وأقساطه، وهناك من يبيع أبناءه ومن يبيع جحيم الأرض ،منتحرا، طمعا في رحمة السماء، فساد، زحام، تشويه عمدي للذوق العام بالتلوث السمعي والبصري والقمامة التي صارت من المعالم الفضائحية، أمراض بدنية ونفسية وصلت إلى معدلات وبائية، مرافق منهارة،، أموال مهدرة، وزير يغايظ ملايين الأسر المصرية مهددا بتشريد الموظفين تحت مسمى قانون الخدمة المدنية، قوانين أخرى تصيب الحريات في مقتل تحت ذريعة الاستقرار، مصر تستدين القمح من الكتلة الشيوعية السابقة بعد أن كانت سلة الغلال الإمبراطورية الرومانية الأعتى على وجه الأرض، إنعدام كامل في خبرة التعامل مع ملفات مصر في الخارج والأزمات الدبلوماسية وآخرها سد النهضة وتضاؤل دائرة النفوذ الإقليمي والتحول إلى مواقف دفاعية تبريرية تنم عن الضعف والخوار ..و القائمة ممتدة طويلة ..وردا على سؤال السيد الرئيس هو الوزير بياخد إيه، فنحن نضع إجابته وديعة عندك، فأنت من تجلس معهم كل يوم مثلما قلت وأنت أعلم منا بذلك ..