أشفقت على عمرو أديب وأنا أتابعه وقد احمر وجهه وجحظت عيناه وانتفخت عروق رقبته من شدة الغضب وهو يعلن تصديه وتحديه لواحدة من أسوأ الظواهر الصوتية السلبية القبيحة التى شهدها مجتمعنا فى عصره الحديث وربما القديم، ومؤكداً أنه سيظل يحاربه نيابة عن المجتمع ومئات الضحايا الذين وقعوا تحت سطوة لسانه السليط وابتزازه السفيه وسبابه القبيح وخدش عرضهم وإهانة شرفهم وسلب حقوقهم، وهى جرائم ترتكب تحت سمع وبصر أجهزة الدولة التنفيذية والإعلامية والرقابية والقضائية التى تستنفر قوتها وتنفش ريشها على الضعيف وتستحيى وتغمض عينيها عن معاقبة السليط والسفيه.
وعمرو أديب ليس الأول الذى تأخذه الشجاعة والمروءة والجرأة للوقوف أمام هذه الظاهرة المؤذية للمجتمع والناس، فكم من مرة ينتفض البعض وتأخذهم الشهامة والكرامة، ولكن تخور قواهم وتنهار عزيمتهم وتضعف إرادتهم أمام حماية الدولة العميقة لمثل هذه الظواهر التى تلعب أدوارا مطلوبة فى أوقات محسوبة، فالأدوار الخفية التى يلعبها يتقاضى مقابلها حماية حديدية تمنع القانون والمجتمع من القصاص من جرائمه فى حقهم،
وإن كنت أختلف مع أديب فيما قاله من أنه لا يوجد من يقف أمامه أو يخشى الكلام عنه، فهناك كثيرون فعلوا ويفعلون ذلك، ومنهم كاتب هذه السطور كان ومازال وسيظل بإذن الله على موقفه تجاه تلك الظاهرة السلبية التى أفسدت الرياضة ودمرت كل المعايير الأخلاقية والرياضية، وإن هذا المكان شاهد على ما أقول (الزمالك المخطوف وزمن الحمقى والسفهاء)، وإن جريدة «المصرى اليوم» ومؤسسها المحترم صلاح دياب دفعا ثمن ما كتبت أنا وزملاء آخرون، فى مقدمتهم الصديق محمد الشرقاوى، رئيس القسم الرياضى بالجريدة، من تشهير باسمه وتلويث سمعته بالباطل، ورغم ذلك لم يخضع للابتزاز وظل مدافعاً عن حق الكاتب فى التعبير عن رأيه طالما لم يتعد على الكود الأخلاقى أو يتهم أحداً بالكذب والزور.
المهم «أفلح إن صدق» عمرو أديب (وأظنه قادر على أن يفى بوعده) واستمر فى حملته لتخليص المجتمع من هذه الظاهرة الصوتية القبيحة، ولكن عليه وهو يدخل فى أتون هذه المعركة المهمة فى تاريخه أن يضع أمامه هذه الاعتبارات حتى لا تثبط همته ويتزعزع إيمانه بقضيته وقضيتنا العادلة:
- أولاً: الإعلام هو من صنع هذه الأسطورة الصوتية وأعطاه المساحة الصحفية والإذاعية والتليفزيونية حتى تضخمت وانتفخت وتحولت لكتلة صلبة يخشاها الناس، وهناك زملاء مهنة لا يقلون عنه سفاهة (من وجهة نظرى) أعطوا له الفرصة فى برامجهم ليبث قبحه وسفاهته وإرهابه لخصومه وابتزازه لهم بسيديهاته الوهمية ومستنداته المزورة، فالعيب دائماً ليس على من يقول، بل العيب الأكبر على الوسيلة أو الصحفى أو المذيع الذى يقبل أن ينشر أو يذيع هذه السفاهات والسفالات والاتهامات الباطلة والظالمة لأبرياء وشرفاء كل ذنبهم أن وضعهم حظهم العثر أمام تلك الظاهرة التى تستقوى على معارضيها بالتشهير بهم فى الإعلام، والمصيبة أن هؤلاء الإعلاميين يعتقدون أن ارتفاع نسب المشاهدة أو القراءة عند استضافة مثل هذه الظواهر الصوتية نجاح، وإن كان فهو لحظى، بينما ما يفعلونه جريمة فى حق المجتمع أولاً، حيث يعتبر إذاعة ما يقوله هذا الشخص إيذاء للقيم الأخلاقية والأدبية ونيلا من سمعة الشرفاء وتلويثا للأذن وتكريسا لظواهر البلطجة والتعدى على حريات الناس وشرفهم، كما أنه تقليل وتحقير من شأن الإعلامى أو الصحفى الذى يقبل نشر مثل هذا القبح على الرأى العام.
- ثانياً: عندما أقول إن الدولة العميقة تحمى تلك الظاهرة فأنا لا أدعى زوراً أو ألقى بالكلام على عواهنه، فالدولة التى تنتفض ضد أى شخص أو ضيف فى برنامج يسىء لها على شاشة أى قناة تليفزيونية، ويخرج رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى فوراً ليمنعه من الظهور، ويرسل تحذيرا للقنوات بعدم استضافته طالما لا يأتى على هواها، هى نفسها الدولة التى لا تمانع فى ظهور هذا الشخص ولا تحرك ساكنا عندما يتلفظ بألفاظ خارجة وشتائم على الهواء أمام ملايين المشاهدين، وهل هناك أكثر من شتيمة رئيس الأهلى بالمرحومة والدته؟ وعندما فكر أن يلجأ للقضاء نصح ألا يفعل لأن القضايا مع هذا الرجل لا تنتهى لصالح خصومه وأنه سيجر الأهلى لمنحدر ومستنقع لن يخرج منه سالماً، وكيف له أو لغيره أن يأخذ حقه طالما أن مدينة الإنتاج الإعلامى ورئيسها لم ينتفضا لإيقاف هذا الإسفاف والاتهامات الباطلة.. يا «عمرو» إذا كان اتهم الحكام أنهم مرتشون وذكر الأسماء وجميعهم جبنوا عن اتخاذ موقف، حتى اتحاد الكرة الذى سبق وعاقب رؤساء أندية لتصريحات متجاوزة فى حق الاتحاد صمت على إهانتهم!!
- ثالثاً: لا تقف الإهانات أو الإساءات التى يوجهها هذا الشخص عند الأفراد، بل يتطاول بكل سهولة وجرأة على مؤسسات الدولة، ووصل به التبجح لانتقاد مؤسسة سيادية على الهواء أمام الملايين بسبب لاعب يؤدى فترة خدمته الوطنية، وبدلاً من أن يحاسب هذا الشخص مثلما نحاسب نحن جميعاً حساب الملكين عندما نقترب من عمل أو نظام تلك المؤسسة فوجئنا فى اليوم التالى باللاعب فى ناديه، وحتى تعلم مدى الحماية أو قل مدى العجز والهوان الذى باتت عليهما الدولة ارجع إلى ما قاله هذا الشخص عن وزير الداخلية لعدم تنفيذ رغبته بإلقاء القبض على بعض المشجعين فى مطار القاهرة عند عودتهم من تونس، فالكلام الذى قاله حمل انتقاصا وإهانة للوزير على خطأ لم يرتكبه، ورغم ذلك لم يحرك ساكناً أو يتقدم ببلاغ لحفظ حق منصبه قبل شخصه، فى حين أن بلاغات وزارة الداخلية لا تتوقف ضد أى شخص يتعرض لها بالنقد، وفى ظل غياب العدل وعجز الدولة تتمدد وتنتشر مثل هذه الأوبئة السرطانية التى ستسقط إذا استمرت البقية الباقية من قيم وأخلاقيات المجتمع.
- رابعاً: يعلم الجميع أنه طالما انتفضت نقابة الصحفيين ضد تجاوزات وخروقات وإهانات هذا الشخص وأخذت مواقف حادة للحفاظ على كرامة أعضائها وحقوقهم ولكن كلها كسرت أمام حماية أطراف فى الدولة لهذا الشخص، وهل هناك أكثر من رفض وزير الشباب والرياضة لتنفيذ صريح القانون فى حق الصحفيين من أعضاء النادى من دخوله لممارسة أنشطتهم الرياضية والاجتماعية، حيث يتم منعهم رغماً عن أنف الدولة والقانون!! فالأمر لا يقف عند حدود الإهانات اللفظية وخدش الحياء والابتزاز والإرهاب، بل لخرق القانون بالقوة الجبرية والبلطجة.
- خامساً: جزء أساسى من بناء هذه الشخصيات المدمرة للمجتمع يقوم على اقتناص أى منصب فى العمل العام «رئيس ناد أو اتحاد أو عضو مجلس شعب.. إلخ» واتخاذه منفذاً للإطلال على الرأى العام من خلال منابره الإعلامية، والعيب فى نجاحها هنا يقع على نفوس ضعيفة داخل المجتمع تستفيد من وجود هذه الشخصيات، وتسعى لبقائها حتى يظل الخلل موجوداً فى المجتمع، وإذا كنت أتفهم ضعف حالة من المجتمع بعد 30 عاماً من النشوة، فإننى لا أفهم كيف لمجلس الشعب المنتخب من المفترض منطقياً أنه من الصفوة أن يقبل أعضاؤه تحويل اجتماعاتهم إلى مآرب شخصية وجانبية بإيقاف برنامج أو الانتقام من خصم فى وقت تمر به البلاد بظروف حالكة الصعوبة تحتاج إلى مجلس تشريعى يقظ، ومتنبه لعدم الانشغال بقضايا هامشية وشخصية، فاستمرار مثل هذه المهاترات سيضعف قوة المجلس أمام الرأى العام ويسقطه من نظر شعبيته وناخبيه.
- سادساً: من واقع خبرتى القديمة فى الخلاف مع هذا الشخص، والذى بلغ ما يقرب من ثلاثين قضية رفعها ضدى قبل عشر سنوات، وحصلت فيها جميعاً على البراءة، فإنه قادر على التلون وينحنى للريح عندما تشتد حتى تمر ليعود مرة أخرى وينتقم، لذا إذا كنت بالفعل جادا (يا عمرو) فى الاستمرار فارفع شعار «لا تراجع ولا استسلام» حتى ولو تخلى عنك الناس جميعاً، فالخلاف معه ليس قضية شخصية (حتى وإن صورها للناس كذلك)، بل هى قضية تطهير مجتمع من ظواهر سيئة ستقودنا للهلاك الأخلاقى، ومهما أوذيت (بالمناسبة هو ظاهرة صوتية وأجبن من أن يذهب للاعتداء الجسدى حتى وإن هدد به) فإن الخلاف معه شرف يستحق المحاولة حتى ولو كما قلت ببرنامج على اليوتيوب وهذا أضعف الإيمان.
■ ■ ■
أنهى محمود طاهر، رئيس النادى الأهلى، التعاقد مع الهولندى مارتين يول، مدرب توتنهام الإنجليزى وهامبورج الألمانى وأياكس الهولندى، وهى أندية تلعب فى أكبر الدوريات فى العالم، وأظن على حدود علمى: هذا المدرب مصنف عالميا، ولكن علمى وعلم العالم لا يمكن أن يوازى علم المتربصين الذين سيبحثون عن القطط الفاطسة وسيبحثون عن أى شكة دبوس ينفذون منها للتقليل من هذا المدرب وإثبات أن قرار رئيس الأهلى خطأ، ومنها الحديث عن الراتب الضخم ولهم أقول: إن خزينة الأهلى لن تتحمل أكثر مما تستطيعه.
■ ■ ■
تصحيح: وقع خطأ رقمى غير مقصود فى مقال الأسبوع الماضى عندما كتبت أن شركة بروموميديا تعاقدت لشراء بث مباريات الدورى مع بريزينتيشن مقابل ١١٥ مليون جنيه، والصحيح ٢١٥ مليون جنيه حتى يستقيم مع المبلغ الذى ربحته بريزينتيشن هذا الموسم وفقاً للحسابات، وهو ١٢٥ مليون جنيه سلبتها من حق الأندية.