«حسناً، أتعلمون.. فى كثير من الأحيان نشعر بالضياع فنتضرع إلى الله راجين أن يدلنا على الصواب، يدلنا على الحقيقة، أعنى ليس هناك عدالة، الأغنياء يفوزون دائماً بينما الفقراء بلا حول ولا قوة، أصبحنا نضيق من سماع الأكاذيب، ثم أصبحنا بعدها كالموتى، أصبحنا نفكر فى أنفسنا كضحايا حتى أصبحنا ضحايا، أصبحنا ضعفاء نشك فى أنفسنا، نشك فى معتقداتنا، نشك فى مؤسساتنا، ونشك فى القانون، ولكن اليوم، أنتم تمثلون القانون، أنتم القانون وليس بعض الكتب أو المحامين.. ليس تمثال العدالة أو زخارف المحكمة.. هؤلاء مجرد رموز تمثل رغبتنا فى تحقيق العدالة».. هذه الفقرة من مرافعة المحامى فرانك جالفن (بول نيومان) فى فيلم «الحكم»، كان يخاطب المحلفين ويترافع لصالح أسرة مريضة توفيت بسبب إهمال طبيب شهير، ولقد أدان المحلفون الطبيب وطالبوه بتعويض ضخم.
ماذا يفعل الناس حين تغلب القوة الحق؟ هل يفكرون فى الانتقام، أم يكتفون بالعدالة ولو كانت عرجاء؟ هل يسعون للقصاص العادل أم يفضلون الثأر؟
العواصف التى يتعرض لها مجتمعنا فى الفترة الأخيرة دليل على أن هيبة القانون ضاعت، قطاعات كبيرة من الشعب المصرى ترى أنه لا يُطبق إلا على الضعفاء، أما أصحاب النفوذ والحظوة والقوة والمال فهم يتحايلون عليه ويلتفون حوله دون أن يصيبهم منه أذى، ولذلك فضلت فئات كثيرة أن تحمى حقوقها بنظام القبيلة الذى يقوم مقام الدولة، وفى هذه الحالة الاعتداء على أحد أفراد القبيلة يعتبر اعتداء على القبيلة بأجمعها، ويتضامن أفرادها فى الانتقام ويسرفون فى الثأر، فلا تكتفى قبيلة المعتدى عليه بالاعتداء على الجانى، ولكن تسعى للثأر بكل ما أوتيت من قوة ووسائل ضغط من الفئة التى ينتمى إليها. أصبحنا قبائل متنازعة، نكره بعضنا البعض.
هذا السخف الجاهلى وصل لمؤسسات الدولة، فالداخلية على سبيل المثال تتعامل مع الشعب باعتبارها القبيلة المنوط بها حماية شعب مصر، وعليه فلها منزلة خاصة ومميزات لا تُسأل عنها، وإن حدث تجاوز من أحد أفرادها يحاول شيخ القبيلة أن يُطيّب خاطر أهل المعتدى عليه ودمتم، كما فعل اللواء مجدى عبدالغفار حين استقبل والد «محمد»، الذى قتله أمين الشرطة فى الدرب الأحمر، وقبّل رأسه وقال له: «حقك عندنا»، كما فعل الرئيس من قبل مع السيدة التى تعرضت للتحرش فى التحرير حين جبر خاطرها ببوكيه ورد واعتذار مهذب، لكن لا زيارة الرئيس ردعت المتحرشين، ولا تودد وزير الداخلية سيوقف التجاوزات فى حق المواطنين.
السيسى يحاول أن يذكّرنا بأننا دولة «بجد» والحكم فيها للقانون، ولذا طالب بضرورة إدخال تشريعات وقوانين جديدة لضبط الأداء الأمنى فى الشارع، وعرضها على البرلمان وسرعة البت فيها، ولكن هذا ليس حلاً، لكنه مسكن موضعى، الأمر أكبر من مجرد سن تشريع، فلابد من إحداث تغيير ذهنى فى عقلية أفراد الشرطة يعقبه تغيير فى السلوك، وهذا لا يمكن أن يحدث بين يوم وليلة، لكنه يستدعى تغييراً فى المناهج التى تُدرّس فى كلية الشرطة، وكذلك دورات التدريب وإرادة فعل وثواب وعقاب.
وحتى يحدث ذلك ومادمنا نعيش مجتمع القبيلة فلماذا لا نستفيد منه، ليصبح أى اعتداء من أفراد الداخلية على مواطن مسؤولية الوزارة بشكل مباشر، وعليها أن تقدم دية للمعتدى عليه أو لأسرته فى حالة وفاته، وأن يتم استقطاع مبلغ الدية أو التعويض من حوافز جميع العاملين بوزارة الداخلية من الوزير حتى أصغر غفير وموظف إدارى بها، وممكن من الصناديق الخاصة.
وعلى المجتمع أن يشارك فى تقدير التعويض المناسب والرادع لمثل هذه التجاوزات فى حق المواطنين، والتى تشمل: إهانة لفظية، التعدى بالضرب، إحداث عاهة، ضرب يُفضى للموت، القتل المتعمد.
أعتقد أنه لو حدث ذلك، ووجد كل فرد فى الداخلية أنه سيتضرر ماديا من تصرفات زملائه غير المسؤولة فسيكون رقيباً عليها وسيمنع حدوثها بكل الوسائل.
السؤال: هل يمكن أن تُمكن الدولة الشعب من ذلك، مثلما فعل المحلفون فى فيلم «الحكم»، أم نكتفى بهشتاج وبوست على الفيس بوك وتويتر؟!