«الأستاذ» و«الجاسوس»!

محمد أمين الأربعاء 24-02-2016 21:34

قلتُ، بالأمس، إن رد الأستاذ يحيى قلاش، فاجأنى إلى حد الصدمة، فحين طلبتُ منه أن يُطلق اسم العملاق مصطفى أمين على إحدى قاعات النقابة، أسوة بالأستاذ هيكل، قال- ما معناه- إنه لا يمكن أن يُساوى بين الأستاذ والجاسوس.. فلما رأى الصدمة على وجهى قال إن النقابة تأكدت أنه «جاسوس» بالمستندات.. وكان الأستاذ شريف عارف يستمع للنقاش، فآثرت أن أغلق الباب مؤقتاً، نظراً لظروف العزاء!

بعد انتهاء مراسم العزاء، مضى النقيب ومضيتُ، لكنى لم أتخيل ما قاله بالمرة.. فقد تيقنتُ أنه لا يمكن أن يكون هذا رأى يحيى قلاش وحده، وقلت بالتأكيد هو رأى مجلس الناصريين فى النقابة، وربما المجلس الأعلى للصحافة أيضاً.. وبالتالى فقد تحولت النقابة، فجأة، إلى «فرع للحزب الناصرى»، والمفترض أن يكون النقيب قد خلع رداءه على باب النقابة، والمفترض أيضاً أنها نقابة «مهنية» لا «سياسية»!

أمام جلال الموت التزمتُ الصمت، وأمام جلال الموت، لم أفتح الباب للجدال والخلافات.. خاصة أنه تربطنى علاقات طيبة مع النقيب والمجلس، وكثيراً ما وقفتُ معه قبل الانتخابات وبعدها، بلا أى غرض ولا أى رغبة، فى أى عمل نقابى.. فقط كنت أتوسم فيه خيراً، حتى صدمنى فيما قاله بشأن مصطفى أمين.. وهو انحياز مُريب لرأى الأستاذ هيكل، مع أن كلا الأستاذين الآن فى «دار الحقيقة» بين يدى الله!

لا نُنكر حق الأستاذ «هيكل» فى التكريم، ولكن لا ينبغى أن نتعامل معه على أنه الكاتب الأوحد حياً وميّتاً.. فقد انتقم هيكل من «أستاذه» وسجنه.. والآن ينتقم الناصريون منه، بالإصرار على أنه «جاسوس».. فهل يُعقل أن نتهم مصطفى أمين بالعمالة والجاسوسية، لأن علاقاته كصحفى رائد، كانت بالدنيا كلها، وليس أمريكا فحسب؟.. وهل يصح ترديد هذا الكلام الآن؟ وهل يُحاكم نقيبُ الصحفيين الرجل بعد 60 عاماً؟!

فمن المؤسف ألا ندقق فى اتهام يجلب العار كهذا، ومن المؤسف ألا نعرف ظروف العلاقة بين عبدالناصر والأمريكان.. فقد كان أى مصرى يتعامل مع واشنطن خائناً وعميلاً.. وفى هذه الفترة دخل كثيرون السجن أيضاً لأنهم شيوعيون.. وكان أى واحد يُقبض عليه، إذا قيل إنه شيوعى.. غير هذا «هيكل» نفسه دخل السجن، فى اعتقالات سبتمبر 81 بتهمة قلب نظام الحكم، فهل كانت تهمة «صحيحة»، أم «ملفقة»؟!

سيقول الناصريون هناك فرق كبير، وسيحلفون لك أن المستندات أثبتت تهمة الجاسوسية.. ونسوا أن الدفاتر دفاترهم، والأوراق أوراقهم.. وقد تصورتُ أن كل هذا أصبح فى ذمة التاريخ، وأن الرجلين الآن فى ذمة الله.. السؤال: لماذا نرثُ تركة لا قبل لنا بها؟.. فالوفديون يكرهون «ناصر»، والناصريون يكرهون «السادات» والإخوان يكرهون «الوفد» و«ناصر» و«السيسى».. فمتى نتخلص من ميراث الكراهية؟!

فى بلاط صاحبة الجلالة، أسماء لا تموت.. على رأسها، بالطبع، العملاق مصطفى أمين.. فما دخل النقابة فى معركة قديمة؟.. وما علاقة «قلاش» بهذا الميراث البغيض؟.. كيف يُوزع قاعات النقابة يميناً ويساراً، ويتجاهل عملاق الصحافة؟.. هل النقابة «فرع للحزب الناصرى»، ينبغى أن تعمل بوصية الأستاذ هيكل حيّاً وميّتاً؟!