هل فهم الرئيس أهالى الدرب الأحمر؟

علاء الغطريفي الثلاثاء 23-02-2016 21:36

فى قصر الاتحادية قبل أكثر من عام، دار مع الرئيس نقاش حول ملامح ظاهرة باتت تتشكل فى الأفق تتعلق بحالة من الحنين إلى الماضى من جهاز الشرطة، وذكرت مثالاً بسيطاً عن سيارات للشرطة تسير عكس الاتجاه وأخرى تحمل زوجات وأسر الضباط، وامتد الحوار إلى أن وجهت سؤالاً عن: «كيف نوازن بين حفظ الأمن وحقوق الإنسان؟»، وكانت الإجابة من الرئيس وهو يوجه سبابته نحو الجلوس: حضرتك.. الطريق إلى تحقيق العيش والحرية والعدالة يبدأ بالحفاظ على الإقليم المصرى.

لم أنْسَ تلك الكلمات وتذكرتها عندما رأيت الرئيس مُستقبِلا وزير الداخلية، فى لقاء كان موجها للرأى العام بقدر ما كان انزعاجا من مقتل مواطن أعزل على يد رقيب شرطة الدرب الأحمر، فمن واجب أى سلطة خاصة تتولى الحكم فى ظروف استثنائية أن تجد الحلول لكل المشاكل والمعضلات التى اقتضت الثورة عليها من الشعب كما يقول «مايلز كوبلان»، وإذا هى أخفقت أو تناست أو تجاهلت تلك المعضلات فهى تضر نفسها وتضر معها باستقرار وطن بأكمله.

التركيز على أهداف تتعلق بالسيطرة قد يُفضى فى النهاية إلى نفس الظروف التى رفضها وثار عليها الناس، والحل فى التوجه العاقل الحكيم الذى يوازن بين الأمن والكرامة، المثالية شىء من الخيال لدى أى حكم، ولكن تبقى الحكمة والعبرة من ماضٍ قريب بَدَت له الدنيا ملك يمينه، فاهتزت الأرض من تحته وانتهى به الحال سجينا «نص نص»..!

«لو جتنى فرصة أنتقم منه هعملها.. وأضربه بالنار وأشوفه مرمى على الأرض ودمه سايح.. وأهله يتحرقوا زينا كده، يا رب أشوفك زى ما شوفته.. يا رب أشوفك زى ما شوفته.. وده عدل ربنا اللى بيقول العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم»، كلمات «نشوى»، خطيبة «محمد عادل دربكة»، والتى تعبر عن روح الانتقام، هى كسر لقاعدة حكم أى سلطة، لأنها تشير إلى إحساس طبيعى بالرغبة فى الانتقام، فقد أصبح يقينا عند الناس أن العدل غاب، وهذا الغياب مرده السلطة، وهذه السلطة عند أهالينا فى الشوارع والحارات والريف هى الحكومة، «أى حكومة وأى مسؤول»، هم بوعى ودون وعى يعيشون لحظة شك وخوف من المستقبل، ومازال يحدوهم الأمل أن تنصلح الأحوال ويتبدل المسار..!

أن يذهب جمع من البشر- غير مسيَّسين- إلى إطلاق شعارات معادية لنظام قائم وأداء دولة، فهى صرخة لا يمكن تأويلها بهَيِّن الكلام، ولا بأنها لحظة غضب عارضة، فما أطلقه هؤلاء المواطنون المنتمون لحى شعبى تسكنه أغلبية من الكادحين ليس سوى إنذار بأن هناك خللا ما فى الأداء العام، يلزمه تشخيص جرىء يتعامل مع الواقعة وفق سياق عام غلبت عليه حالة من عدم الرضا والحنق من الوضع الحالى، حالة لا تنفع معها لقاءات معلنة من أجل تهدئة أو إعادة بث أخبار قديمة عن قوانين تخص الشرطة أو تصريحات للتنصل من تصرفات أفراد داخل الأجهزة الأمنية، المسألة تتعلق بالعقيدة، المسألة تتعلق بالثأرية، المسألة تتعلق بالرقابة، المسألة تتعلق بإدراك الأدوار، المسألة تتعلق باحترام حقوق الإنسان، المسألة تتعلق بإنفاذ القانون.

مازال فى دخيلة بعض رجال الأمن أن هذا الشعب هو مَن أسقط أسطورتهم فى يناير، وأن هذا الشعب لابد أن يبتلع زلط هضبة المقطم، بل جبال البحر الأحمر، لأنهم يدفعون ثمن الأمن من دمائهم يوميا، هؤلاء لا يدركون أن واجبهم أن يفعلوا ذلك، هؤلاء لا يدركون أنه لا يجوز أن يكون اختيارهم المهنى انتقاصا من حريات الآخرين، هؤلاء لا يدركون أن سلطتهم مقيدة بالحفاظ على حقوق المواطنين، وأن السلطة فى يدهم لصالح الناس وليست لصالح تركيعهم أو إذلالهم أو قتلهم..!

الرسالة واضحة للسلطة، وعليها أن تتنبه لأن الشيطان كما قال كويلو: «ليس فى حاجة إلى كثير من الوقت ليعيث فسادا..»!.