«فى عزاء الأستاذ»!

محمد أمين الثلاثاء 23-02-2016 21:37

ذهبتُ إلى عمر مكرم، فإذا مصر كلها فى عزاء الأستاذ هيكل.. عزاء ليس كالعزاءات.. لكنه تكريم واستفتاء على رجل ملأ الدنيا وشغل الناس، رغم أنه لم يكن يملك من السلطة، غير سُلطة القلم وسطوته.. شارك كثيرون فى جنازته وودعوه حتى مقبرته، وشارك كثيرون فى عزائه.. وهؤلاء وهؤلاء كان لهم غرض.. فريق يريد أن يتأكد أنه مات، وفريق لا يصدق أنه مات.. فمازال «هيكل» لغزاً رغم الموت!.

الدولة والشعب كانوا فى عزاء «هيكل».. ولو أراد أبناؤه لامتد العزاء حتى ساعات الصباح الأولى.. كانت الجموع تتدفق على المسجد الشهير، حتى وقف المعزّون، وتوقفت الحركة فى شوارع وسط البلد.. فلم يكن هيكل ملكاً لأبنائه الذين يحملون اسمه، ولا للناصريين الذين احتشدوا مع سبق الإصرار والترصد.. لكنه كان ملكاً لجمهوره ولجماعته الصحفية أيضاً.. كل واحد كانت له مع «هيكل» قصة أو لقاء!.

غير أننى لا أجد تفسيراً حتى الآن، لماذا خرج من مسجد الحسين، وليس عمر مكرم، إن كان ولابد من مسجد؟.. ولماذا تنعاه إيران أولاً، ويشارك وفد من حزب الله فى العزاء؟.. لا أجد تفسيراً مقنعاً.. ولماذا لم يخرج الأستاذ من الأهرام، مع أن إدارة الأهرام الآن لا تجد مشكلة أبداً؟.. ولماذا لم يخرج من نقابة الصحفيين، مع أن مجلس النقابة من مريديه وتلاميذه، وقد بادر بوضع اسمه على أكبر قاعة فى النقابة؟!

الرد الذى تسمعه هنا وهناك، أنه كان زاهداً فى كل شىء.. فلا هو يريد إحراج النقابة ولا الأهرام، ولا هو يريد أن يُقام له عزاء، ولا تُنشر له عزاءات بالصحف.. حالة صوفية نادرة، كشفت عنها لحظة الوفاة، أكثر مما كشفت عنها حياته على امتداد قرن من الزمان.. هكذا أراد هيكل أن يكون لغزاً بعد الموت، كما كان لغزاً حيّر الناس، حتى حافة الموت.. وفى كل الأحوال فقد ترك فراغاً كبيراً فى «عالم صاحبة الجلالة»!

لقد نجح «هيكل» أن يجعل «عبدالناصر» حيّاً فى نفوس الناس.. ونجح أكثر فى تماسك «الناصريين» على مدى نصف قرن.. ولو هيّأ الله للسادات مثل «هيكل» لكان للحياة السياسية شأن آخر.. هذه هى متلازمة هيكل وناصر، أو ناصر وهيكل.. استفاد منها الاثنان بطريقة أو أخرى.. وحاول البعض أن يستنسخ التجربة مع السادات أو مبارك وصولاً إلى السيسى.. لكن مدرسة هيكل ستبقى بلا نظير إلى مدى بعيد!

أعرف أن «هيكل» كان صاحب فضل على «المصرى اليوم» منذ نشأتها، وأعرف أنه دعمها معنوياً بحواراته ورسائله.. ومع ذلك، لم يتدخل لوقف مقال ينتقده، حتى عندما كتبتُ «انقلاب هيكل»، وقلت عندنا أكثر من «هيكل» إذا رضى، وإذا غضب.. وكتب أحمد المسلمانى سلسلة مقالاته الشهيرة.. كان «هيكل» يتعلق بالحياة وكنا نحن نتعلق بثياب «هيكل».. هكذا كان وهكذا كنا حتى غادرنا إلى «دار العودة»!.

غياب «هيكل» خسارة فادحة بلا أدنى شك، وتكريمه لا يحدث بمقال، أو وضع اسمه على قاعة فى النقابة.. التكريم الحقيقى من الناس أولاً.. أما وأن التكريم قد حدث من النقابة، فقد طلبت من النقيب يحيى قلاش أن يكون هناك تقدير مماثل لعميد الصحافة، وأستاذ هيكل «مصطفى أمين».. فاجأنى رد النقيب.. فإلى الغد!