لا تتسرع بقول: أستغفر الله العظيم، الحمدلله أننى مؤمن بالله العلى القدير، ليه كده يا استاذة الكلام ده مش بتاعك، ده أكيد مؤامرة، قبل أن تتهمنى أيها القارىء الكريم بأى تهمة ومنها الالحاد أو الترويج له أومحاولة الكلام في أي كلام يبعدنا عن الحديث عما ينتظرنا من رخاء وتنمية شاملة فى2063 .
تعرضت منذ أيام لموقف شغل تفكيرى ودفعنى في النهاية لكتابة هذا المقال، وهو يدور حول إنسانة تربطنى بها علاقة صداقة قوية، أكن لها حب وود حقيقى، فهى طيبة، بسيطة والعطاء من صفاتها الغالبة، لم تكن تطلعاتها في الحياة تزيد عن رضا الله والستر مع زوج طيب واولاد أبرار. تزوجت بعد حصولها على الليسانس بشهر.زواجها الأول استمر عشر سنوات دون إنجاب ،كانت سنوات شاقة هاجسها الأول كان البحث دون كلل عن حلم الأمومة ..أطباء وفحوصات وعلاج وعمليات ...كلها أنتهت إلى نتيجة واحدة مؤكدة: لا أمل لها في الإنجاب. نتيجة مؤلمة تحملتها بصبر المؤمن .فضلت الطلاق على ان تشاركها زوجها «ضرة»قد تكون أم الولد أو البنت. وبررت ذلك قائلة: لا اريد أن أحسد أحد على نعمة حرمت منها ولا الدخول في معارك اخسرها، افضل الانسحاب وأنا في شبابى على أن اخرج منها وأنا في سن لا احتمل فيه الألم .
الحزن سكن قلبها الطيب، ولكن الأيام تداوى الجراح، والسنين تذهب بالحنين، وجاءتها فرصة ثانية لحياة زوجية نموذجية بالنسبة لها، أرمل له طفلين دون الخامسة، كانت نعم الأم لهما وكانا نعم الولد لها. سنوات تمضى والحمد في قلبها يزيد وتغمرها السكينة، الزوج طيب وعطوف وكريم والولدان مطيعان، وحياتها أفضل مما كانت، وشعرت بالرضا الكامل، واقتربت من الله خاشعة شاكرة، أكثرت من النوافل والصدقات والذكر الدائم. وجاءتها المعجزة: حمل، لم تصدق نتيجة الاختبار، كيف؟ بعد كل هذه الأعوام، ولقد تجاوزت الأربعين؟ بعد تأكيد اشهر الاطباء بأنها عاقر، كيف ياربى !!، الإجابة: «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون»
السعادة كلمة لايمكن ان تصف ما شعرت به، غمرها فيض من الصفاء والخفة وكأنها تحلق في السماءالسابعة وتطير فوق السحاب، شعرت ان الله اصطفاها بنعمته، بل بمعجزته مثلما فعل مع الانبياء والمرسلين والعباد الصالحين، اليست كذلك؟ بالتأكيد، فهى تحافظ على الفروض والسنن، تزكى وتتصدق، تطيع والديها، وتحسن لليتامى والمساكين، مخلصة لزوجها وتحفظه في عرضه وماله في السر والعلن، أنها كاملة، هي بالتأكيد تستحق، وهاهو ربها يعطيها جزاء إحسانها إحسان «ولئن شكرتم لأزيدنكم».
فرح زوجها وولديه بالضيف القادم، كان الزوج سعيد لسعادة زوجته والاولاد بأخيهم، بدأت تعد الأيام والساعات والثوانى، نصحها الطبيب بالراحة على قدر الإمكان، فعلت في الشهور الأولى لكن كان عليها أن تشرف على تجهيز حجرة الضيف الغالى، جعلت حجرته الصغيرة جنة، السقف يضىء بالنجوم في الظلام، اللعب في كل مكان، الفراش اختارته على هيئة سيارة حمراء، الستائر والسجاد وملايات السرير والأغطية كلها برسومات ديزنى الأصلية، وكأن الصغير سيتعرف على هذا العالم الساحر من اللحظة الأولى .ليس المهم ما انفقته من المال، الأهم ما بذلته من جهد تسبب في ولادتها قبل الموعد بشهرين. ولد المنتظر بعملية قيصرية، صغير جدا جميلا للغاية، ورث أجمل مافى ابويه، لم تستطع أن تضمه بين ذراعيها كما حلمت طويلا ولا أن ترضعه من ثديها الممتلىء بحليب السعادة، فالرضيع لم يكن مكتملا، وضعه الطبيب في الحضانة، حتى تكتمل الرئة وتبدأ اجهزة جسمه تعمل كالمعتاد، بعد أيام قضتها في المستشفى كان عليها أن تغادر وتترك فلذة كبدها في عناية الله أولا ثم الأطباء ثانيا، لم يساورها الشك لحظة في أن الله سيرعاه، كما رعاها من قبل ومٌن عليها بهذه النعمة الكبرى، سيتم الله نعمته بحفظ وليدها، هكذا قدرت وفكرت وتخيلت.
ومضى أسبوع والصغير في الحضانة، كل يوم تذهب إليه في المستشفى لتملى عينيها منه، وتعود لتعطر حجرته، وتقرأ وردها وتدعى الله أن يحفظه ويرعاه ويرده لها معافى «جميل الخلقة والخلق»....أيام الأمنيات انقضت بتليفون في منتصف الليل من المستشفى، تطلب منها الحضور فورا، الصغير حالته خطرة، الحقيقة كانت غير ذلك، عندما ذهبت مع زوجها وجدته جثة هامدة ..
لايهم ماقيل، ولايهم ماسمعت، المواساة لن ترجعه، والإيمان لم يحافظ على حياته، والله لم يوفى بوعده مع الشاكرين، ناجته باكية وطلبت منه ان يرعى رضيعها ويحميه من كل سوء ويعيده إليها سالما، الم يقل عن نفسه أنه قريب يستجيب دعوة الداعى، وهى دعت وتوسلت؟؟ فلماذا، لماذا لم يستجيب لها؟ لماذا هذه المحنة القاسية؟ لماذا جعلها تعيش حلما وهو يعرف أنه مقدر لها أن تستيقظ على كابوس؟ لماذا وهى العابدة الشاكرة؟ لماذا هذا الاختبار القاسى وهو يعرف أنها لن تحتمله؟ وهى كانت دائمة الدعاء بأن لايحملها مالاطاقة لها به.. يارب ..لماذا؟ يا الله ..لماذا؟ لماذا ؟ولماذا ؟و لم تجد جوابا تريح قلبها.
كانت تشعر ان نارا اشتعلت بين جوانحها، ما أن تخمد حتى تشتعل من جديد، جمرات اللوعة والشك تلسعها في الليل والنهار. نصحها المقربون بأن تسافر لتعتمر، وتطلب من الله الصبر والسكينة. كُنت في صحبتها مع جمع من الأصدقاء، شاهدت دموعها وهى تطوف بالبيت العتيق تطلب من الله المغفرة والصبر والسلوان. شعرت نحوها بالأسى، ولكن كان لدى احساس عميق بأن هناك حكمة ولكننا لانستوعبها ونحتاج لأمثال سيدنا الخضر ليطلعنا على سرها.
عادت إليها السكينة بعد حين، الحزن بقى ولكن الاستسلام لقضاء الله تسلل إلى القلب الطيب من جديد، وجاءت فرصة ثانية غير متوقعة، حمل آخر ونصيحة أخرى بالراحة التامة .هذه المرة، لم تترك السريرلشهور، كانت مستعدة لأن تبقى سجينة الفراش سنينا ولاتفقد صغيرها مرة أخرى،رغم كل هذه الاحتياطات المبالغ فيها، ُاجهض حملها، هذه المرة لم تبك، ولم تذرف دموعا، ولم تشكو، بل انسحبت إلى الداخل. الحزن واليأس والشك لم يتركوا مكانا للحمد والصبر، كانت تبدو على السطح وكأنها لم تتغير، ولكن التغيير كان في العمق. تقاعست عن الصلاة ولم تعد تؤدى الفروض في أوقاتها بل أحيانا لاتؤديها على الاطلاق، استبدلت قراءة القرآن والذكر بالمسلسلات التركى والكروشيه، ظلت على علاقتها الطيبة بأسرتها ومعارفها، ولكن شتان بين فعل نيته رضا الله وآخر نيته رضا العباد ...
منذ أيام تقابلنا بناء على طلبها، سألتنى: هل ستظلى على مودتك لو بحت لك بسرى، ابتسمت وقلت: هل تفكرى في قتلى؟ ابتسمت ولكن عيونها كانت حزينة وقالت: لقد أصبحت أشك في وجود الله، لايمكن أن يكون موجودا ويحدث لى ما حدث ..لقد تغيرت ..وبدأت تبكى ....نظرت إليها وقلت وأنا اُرَبِّتْعلى كتفها بحب وإيمان بإخلاصها لله: ان لم يكن موجودا ..فلماذا تبكين ؟
ektebly@Hotmail.com