مؤتمر وصفه صانعوه بـ«العالمي» يقف خلف الميكروفونات شخص يحمل على كتفيه رتبة «لواء»، ومن خلف عدسات نظارته الطبية، أدلى الرجل بتصريحات، يدعمها عدد من مقاطع الفيديو التي قال إنها لمجموعة من مرضى الإيدز خضعوا لتجارب علاجية جديدة ثبت نجاحها، باستخدام جهاز اخترعه، يشفى المرضى بعدد من الأمراض أهمها الالتهاب الكبدى الوبائى C الذي يفتك بأكباد نسبة كبيرة من المصريين.
الزمان 23 فبراير من العام 2014، والرجل هو إبراهيم عبدالعاطى الذي أعلن وقتها أن الجهاز سيكون متوافرًا خلال 6 أشهر، وسط مباركة إعلامية، وحملة دعائية لا مثيل لها، وقتها خرج المستشار العلمى للرئيس المؤقت «عدلى منصور» واصفًا الأمر بـ«أكبر فضيحة علمية لمصر»؛ إلا أن صوته ضاع وسط صدى من يصفهم الدكتور أحمد فرج على، أستاذ الفيزياء بجامعة بنها بـ«المطبلين والمنتفعين وأعداء العلوم الحقيقة».
بعد المهلة التي طلبها «عبدالعاطى» الذي داعب آمال ملايين المصريين بالشفاء من مرض ينهش أكبادهم، لم يحدث شىء، فالجهاز لم يجد نفعًا، ووزارة الصحة تعاقدت على جرعات من علاج «سوفالدى» المُثبت آثاره بطريقة علمية لعلاج المُصابين بالفيروس، فيما صمت المدافعون عن جهاز عبدالعاطى، وانتهت قصة الاختراع.
يقول الدكتور مُعتز إمام، أستاذ العلوم بجامعة ولاية كاليفورنيا، وصاحب مُدونة علمية معنية بفضح العلوم الزائفة، إن الاكتشافات العلمية تخضع لمجموعة من المعايير كى تُصبح ذات موثوقية، منها معيار النشر في المجلات العلمية، حيث تتم مراجعة البحث من قبل علماء آخرين لديهم القدرة على فحص ما يقدم لهم، والعلم اللازم لتمحيص واختبار ما يُقال لهم، على أن يكونوا غير ذى علاقة بباحث الدراسة، ولا تربطهم أي صلة أو مصلحة في إجازة البحث أو رفضه، مشيرًا إلى أن الإعلان عن الإنجازات العلمية في المؤتمرات الصحفية أو البرامج التليفزيونية أو الجرائد يجعلها محل شك كبير.
الادعاءات باختراع أو ابتكار أجهزة قادرة على صياغة وتثوير مجال ما ليست مقصورة على الدولة، فالعديد من الأشخاص يخرجون، بين حين وآخر، مُدعين اكتشاف شىء ما قادر على حل أزمة تتعلق بالصحة أو الطاقة، ففى منتصف العام الماضى أعلن أحد المهندسين بدء التشغيل الفعلى لمحطة تستطيع توليد الكهرباء من الجاذبية. المحطة عبارة عن جهاز مُكون من قاعدة و«جهاز صغير تحت الأرض»، تبلغ مساحتها 4 أمتار في 4 أمتار بارتفاع 4.5 متر، ورغم زعم مُصنع الجهاز قدرته على توليد كهرباء بقيمة 2 ميجا، إلا أن الجهاز لم يتمكن حتى الآن من إخراج وحدة واحدة من التيار.
في ميدان التحرير، حظى شاب يزعم ابتكاره سيارة تعمل دون وقود ويمكنها الطيران، وأطلق عليها «الوحش المصرى» باهتمام إعلامى واسع، وأمام الكاميرات التي ازدحم بها ميدان التحرير في اليوم المقرر للتجربة، قال الشاب إن عطلاً ما أصاب «طائرته» اضطره إلى إرجاء تجربته لوقت لاحق، بعدها؛ خرج الشاب ليعلن أن ميدان التحرير غير مؤهل لعملية الطيران أو الهبوط، وانتهى الأمر بـ«المخترع» لإحراق «اختراعه» وإلقائه في إحدى الترع.
قبلها خرج طالب بكلية الآداب مُعلنًا اختراعه جهازاً قادراً على تدمير الجبال في ثانية واحدة، وبين هذا وذاك قالت طالبة في نفس الكلية إنها تمكنت من اختراع لاصقة تُحارب السرطان بيولوجيا وتدمره دون الإضرار بخلايا الجسد السليمة. الوقود والطاقة، كانا محور اختراع آخر؛ فقد نقلت وسائل الإعلام بالتزامن مع مشكلة نقص الوقود قبل شهور، مجموعة من الأخبار عن مهندس مصرى اخترع وسيلة للاستغناء عن البنزين، عن طريق استخدام الطاقة المائية بدلاً من الوقود. ويقول الرجل الذي يدعى كونه مهندسًا إن النموذج التجريبى لاختراعه يتكلف 2 مليون جنيه، مشيرًا إلى أنه سيطرح جماهيريا مقابل 15 ألف جنيه فقط للوحدة.
الدكتور أحمد فرج على، أستاذ الفيزياء بجامعة بنها، يقول إن تلك الابتكارات مُجرد هُراء، ويرى أستاذ الفيزياء أن الإعلام يتحمل جزءًا كبيرًا من «الجرائم العلمية» التي يرتكبها «هؤلاء الصغار» على حد قوله، فترويج وسائل الإعلام للفهم الخاطئ للعلم، والحماسة تجاه القصص الإخبارية غير المجدية، كلها تؤدى إلى انتشار تلك العلوم الزائفة.
كيف نكتشف العلوم الزائفة؟.. يُجيب الدكتور «معتز إمام» صاحب مدونة «فيزيائى من مصر»: «على مر القرون وضع العلماء منظومة مُحددة للعلم، فالعلوم الأساسية هي علوم تجريبية، دورها دراسة الطبيعة حولنا، وهذا يعنى أن المعيار الأساسى هو التجربة المعملية والرصدية، عن طريق علماء مختلفين باستخدام أجهزة مختلفة، فإذا ما كانت النتائج تتفق مع الطرح، يتم إجازة الابتكار أو الاختراع أو النظرية، تلك هي الخطوة الأولى للتعرف على العلوم الزائفة، دون إجرائها لا يُعتد بالنتائج».
لا تقتصر العلوم الزائفة على الإعلان عن اختراعات أو ابتكارات فقط، بل تمتد لتشمل تحليل الظواهر الطبيعية على اعتبارها مؤامرات كونية، فقبل بضعة أشهر خرج أحد «الخبراء الاستراتيجيين» مُعلنا استخدام إحدى الدول غازا يُسمى بـ«الكيمتريل» كأحد مسببات هطول الأمطار، واستطرد «الخبير» قائلاً إن حروب «الجيل الخامس» تعتمد على استخدام الدول الظواهر الطبيعية كسلاح تضرب به اقتصادات الدول الأخرى، وبحسب الدكتور أحمد فرج على، فإن العلوم الزائفة من ذلك النوع قد ينتج عنها إثارة الهلع والبلبلة في نفوس الجماهير، ما يؤكد على ضرورة محاربتها والتصدى لمروجيها.
يقول الدكتور «معتز إمام» إن العلوم الزائفة تشبه النباتات البرية التي تنمو دون زراعة داخل أحواض الزهور وتقتات عليها، وبالتالى يجب «فضحها» والسيطرة عليها، خصوصًا داخل المجتمعات التي تعانى الجودة المنخفضة داخل مستويات التعليم. ويرى «إمام» أن التحرك لمحاربة ذلك النوع من الترهات يبدأ عبر الإعلام، بواسطة نشر راية العلم الحقيقى داخل الوسائل المختلفة. ويؤكد أستاذ العلوم بجامعة نيويورك أن الحوار مع مُدعى العلم لا يجدى نفعًا، لأن آراءهم «غير قابلة للتفنيد بالأسلوب العلمى حال كونها غير علمية في الأساس».