خطيئة خيري رمضان

أحمد الدريني الأحد 21-02-2016 21:53

أخطأ خيري رمضان في فهم قواعد اللعبة.

الإعلام في مصر لعبة يلعبها اثنان فقط، أحدهما خافت البريق عديم الذكر مخسوف المواهب، كل مهمته حشو الهواء بأي مواد لا تثير شبهة ولا تناقش قضية ولا تشتبك مع جهة.
محتوى صوري بامتياز، يزعم أنه إعلام.. ولا يزعم أن أحدًا يهتم به. لكنه يوقن أنه لن يجر عليه متاعب تذكر.
أما ثاني اثنين في اللعبة، فهو إعلامي أمنجيٌ، تربى بين اللواءات.. وانضبطت بوصلته الوجدانية على ما تمليه الأجهزة ومصلحة النظام – أي نظام فكلهم سواء في ناظريه.
والأخير يفترس بلا رادع ولا ضابط مهني أو أخلاقي. لكن من ورائه الرُتب المصطفة تحميه، ورأسمال متشف في «يناير» يأويه، هو وفصيلته، ومن غضب الرأي العام ينجيه.
دعني أسأل خيري رمضان الذي أوقفته غرفة صناعة الإعلام عن العمل 15 يومًا، السؤال بوضوح:
هل لديك صورة فوتوغرافية تقف فيها بجوار الرجل الكبير منفردًا؟
هل التقطت لك الصورة خارج البلاد وقد غادرتها وسط شبهات قانونية بالغة حول جواز سفرك من عدمه؟
إجابتك قطعًا «لا».. لذا لا تلم إلا نفسك.
فمن يحميك غير صورة كهذه، تخيف بها الخصوم وتستميل بها القلوب الزائغة، وتبني بها حواليك سورًا لا يقربه أحد ولا يجرؤ حتى على التفكير؟
أخطأ خيري وآن له أن يتعلم.
(2)
للواحد أن يسأل أعضاء غرفة صناعة الإعلام عن نوع «مقوي الذاكرة» الذي يتعاطونه سويًا، لدرجة تذكر مقطع من حلقة جرت وقائعها منذ 3 شهور (رُبع عام!)؟
وللواحد أن يسأل.. لماذا سكتم 3 شهور كاملة على مثل هذا الخطأ الشنيع الذي وقع فيه خيري رمضان؟
وللواحد أن يسأل عن ثلاثة شهور، خاض «إعلاميون» فيها في أعراض الناس وأعراض آبائهم وأمهاتهم وشتموا وسبوا ولعنوا وعايروا.. أين كان أعضاء غرفة صناعة الإعلام منهم؟
حسنًا.. أعتذر.. نحن نتحدث عن الذين يتمحكون في النظام، ويجالسون لواءاته، وأسماؤهم مدعوة في المحافل، ومنعوتون بالوطنية على رؤوس الأشهاد!
(3)
من ناحية تقنية بحتة، هل يتحمل المذيع مسؤولية ما يقوله ضيفه أو مصدره؟
في أدبيات علم الإعلام، يُنسب القول لقائله، والرواية لراويها، والمعلومة لمصدرها. ويتحمل المصدر تبعات ما يقول ومسؤوليته، ويجيء دور الإعلامي كناقل في بعض الحالات وكناقل متساءل ومنقح ومجادل ومحاور في حالات أخرى.
وفي حالة خيري رمضان فقد استدرك على «روايات» مصدره و«تعميماته» أكثر من مرة، وجادله ولم يترك لمزاعمه المجال لأن يتبناها بالصمت الذي قد يعني الموافقة، غير أن غرفة صناعة الإعلام اختارت أن تحاسبه على نسخة ممنتجة، ومقطع مجتزأ، في مسألة تثير الكثير من التساؤلات حول «منهج» الغرفة، قبل نواياها.
(4)
في حالة الانفلات الإعلامي التي نعايشها، والتي تؤسس لانفلات أخلاقي وغباوة سياسية وخروقًا قانونيا وعدوانًا ظاهرًا على الناس في بيوتهم وأعراضهم ومعتقداتهم، ينبغي أن يتم تغليظ رقابة الإعلام على نفسه من الداخل، وفقًا للمتعارف عليه والمستقر من «قواعد المهنة وآدابها».
لكن المدهش أن السيف استُل على مذيع هادئ السمت، مهذب في إدارة حواره، لا يميل إلى الصخب، وليس مشهورًا بما يشين، وسط جمهور الشتامين الأفاكين، ويجتهد في تطوير محتوى جاد، بأسلوب رصين هادئ.
فيما غيره مشغولون بالشتم والسب واللعن وإيراد المعلومات الخاطئة والحث على الكره والقتل، مطلوقون علينا انطلاق البهائم السعيدة في حقول البرسيم.
(5)
أخطأ خيري كثيرًا حين أتاح شاشته منبرًا لمن لا ينبغي أن تكون منبرًا له (أعني الشتام الأفاك الذي ألجمه كابتن زيزو)، ولم يكن موفقًا- برأيي- في بعض المواقف التي اتخذها في مراحل مختلفة من الوضع العام المضطرب في البلاد.
لكنه ظل في منطقة، أقرب للإعلام المحترم مما سواها.
الموضوع ليس شخصيًا، فالأسماء التي يمكن أن تحترمها في عالم الإعلام المصري معدودة على أصابع اليد.
والمسألة ليست دفاعا عن خيري كشخص، فهو أقدر وأجدر بأن يدافع عن ذاته.
المسألة في المفارقة..
في ترك الشتامين، وفي الانقضاض على غيرهم.
لو استمرت الموجة، ستصب كل مرة في صالح الشتامين الخواضين في الأعراض. أما غيرهم ممن يحاولون ويخطئون ويصيبون، فستعالج أعناقهم مناجل غرفة صناعة الإعلام وغيرها.
وأعود وأكرر لخيري رمضان ولكل خيري.. هل التقطت لنفسك صورة بجوار الرجل الكبير قبل أن تجرؤ على ممارسة هذه المهنة؟