مهانة الجامعة العربية من العقيد إلى الملوك

مي عزام الأحد 21-02-2016 21:32

استبعد أن تكون حالة «الثورية القذافية» قد وصلت إلى الملك المغربي محمد السادس، فاتخذ قراره بعدم استضافة بلاده للقمة العربية المرتقبة، بحجة ما ورد في بيان الاعتذار الرسمي الذي اصدرته الخارجية المغربية، مؤكدة أن القمة تحولت إلى مجرد مناسبة لإلقاء الخطب والكلمات دون مردود فعلي أو تأثير حقيقي في القضايا السياسية وخاصة قضية القدس والمشكلة الفلسطينية عموماً.!، ولذلك فإن «الظروف الموضوعية لا تتوفّر لعقد قمّة عربية ناجحة، قادرة على اتّخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع».. و«بناء على المشاورات» التي تمّ إجراؤها مع عدد من الدول العربية، (بالطبع لابد أن المشاورات بدأت بمصر والسعودية) اتخذت المملكة العربية قرارها، بالرغم من أنها شاركت في القمم السابقة التي ينطبق عليها الأوصاف المذكورة، ولذلك فإن القرار المغربي يطرح علينا عدة سيناريوهات نحاول من خلالها فهم الحيثيات الواقعية التي أدت إليه، أولها: ان قرار الملك جاء نتيجة قناعة شخصية من جانبه، وأدرك بعد فوات الأوان حكمة العقيد معمر القذافى الذي كفر بجامعة الدول العربية، وطالب بحلها، واتخذ خطوات عملية للتوجه صوب أفريقيا عوضاً عن المحيط العربى الميؤوس من حاله، لكن برغم رؤية القذافي أن القمم العربية تحولت إلى حبر على ورق، وأصبحت توصياتها بلا قيمة بعد التبعية الشاملة التي تحكم كل الأنظمة العربية، إلا انه كان حريصا على حضور اجتماعات القمة، ومناوشة الملوك والرؤساء، على عكس القرار المغربي الذي انتظر 11 شهراً، لكي يتعلل بهذه الحجج المعروفة للجميع منذ سنوات، بل طلبت الرباط قبل أسابيع تأجيل موعد القمة بعض الوقت، ووافقت الجامعة على عقدها في أول الأسبوع الثاني من أبريل بدلا من نهاية مارس، فلماذا كان طلب التأجيل إذا كانت الأسباب التي تضمنها بيان الاعتذار مزمنة وليست طارئة؟!

السيناريو الثاني لقرار الاعتذار، هو وجود تخوفات أمنية تهدد سلامة الضيوف الكبار من قادة العرب، خاصة وأن الضربات التي نفذتها أمريكا ضد تنظيم داعش في ليبيا، ربما تحفز عناصر تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا وجماعات المسلحين المتعاطفين مع تنظيم الدولة (داعش) لتنفيذ عملية إرهابية انتقامية تستهدف القمة العربية، فتتحمل المغرب ما لا تطيق، ولذلك تعللت بهذه الأسباب إعلاميا، فيما أخطرت الدول العربية الكبرى بما لديها من معلومات وتقارير، وهذا يفسر زيارة وزير الخارجية المغربي للقاهرة ولقاءه بالرئيس السيسي وليس بوزير الخارجية سامح شكري، لكن لو كانت هناك مخاوف من تهديدات ارهابية، فليس من المنطقى أن يسمح القادة العرب باستضافة موريتانيا لتنظيم القمة ( لمجرد أنها الدولة التي تلى المغرب في جدول التنظيم حسب الترتيب الابجدى) فموريتانيا ليست بعيدة عن التهديدات الإرهابية، ومن المؤكد أنها أقل استعدادا للتنظيم من المملكة المغربية.
السيناريو الثالث يعتمد على التطور الطبيعي للحاجة «السعودية»، فالمغرب لا يمكن أن تتحرك منفردة في هذا الشأن، فهي تنسق بشدة مع السعودية، ويمكن اعتبارها عضوا غير مرئي في مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإن القرار المغربي يمكن تفسيره من خلال مواقف الرياض المتصاعدة ضد الجامعة العربية، فهي تقلل من شأنها وتثير الكثير من الخلاف حول مخصصاتها المالية، وتتحرك مرة لمحاولة السيطرة عليها وتوظيفها لصالح سياستها الإقليمية وتحالفاتها، ومرة بغرض إضعافها وتفكيكها، لصالح تقوية مجلس التعاون الخليجي ليشمل دولا من خارج الخليج وآسيا، بما في ذلك مصر نفسها (دولة مقر الجامعة)، ولما كانت السعودية تستبق الجامعة دائما ولا تتعامل معها كمرجعية، كما ظهر واضحا في قمة شرم الشيخ الأخيرة التي كانت من أهم توصياتها: تأسيس القوة العربية المشتركة، لكن الملك سالمان استبدل هذه القوة بالتحالف الاسلامى الذي استقطب تركيا، وتديره الرياض بتنسيق كامل مع واشنطن، وبالتالي لابد من إفشال القمة العربية المقبلة، أو الضغط عليها حتى لا تتخذ خطوات عملية في تأسيس القوة العربية المشتركة
لقد كتبت كثيرا منتقدة اداء الجامعة العربية وأمينها العام الذي لاحس له ولا خبر، ولكن ليس معنى ذلك أن نوافق على وأد أقدم وأشمل منظمة عربية لصالح منظمات إقليمية محدودة، ولو سمحت مصر بذلك تكون تنازلت عن دورها الريادى نهائيا، وساهمت بالصمت والتواطؤ في جريمة القرن.
ektebly@hotmail.com