بعد وفاة 6 سيدات فى قسم الولادة بمستشفى الزقازيق الجامعى: «شيرين» المريضة السابعة تنتقل إلى الرعاية المركزة بـ«فقدان ذاكرة» ومشكلات فى«المخ»

الجمعة 06-08-2010 00:00

فى مشهد يتكرر بشكل يومى، تنتظر مئات الأسر أمام أبواب مستشفى «الزقازيق الجامعى»، ينظرون فى ساعاتهم حاملين معهم العصائر والطعام، قابضين بأيديهم على تذكرة الزيارة التى قيمتها أربعة جنيهات، البعض يتحدث عن حالة مريضه، وآخرون يدعون الله متمنين عدم تكرارهم لتلك الزيارة التى تثقلهم متاعب نفسية كبيرة، وبين كل هؤلاء يقف عبدالمنعم عنانى والد «شيرين» الضحية السابعة لغرفة عمليات المستشفى، يحاول أن يخفى خوفه من مصير ابنته التى تحولت بين ليلة وضحاها من سيدة عشرينية تنتظر إنجاب طفلها، إلى مريضة ترقد فى غرفة الرعاية المركزة، تتنقل بين الرعاية الحرجة والعادية، لم يتبق من ذاكرتها سوى محاولة تذكر اسمها الذى تنساه أغلب الوقت.

توجهت «المصرى اليوم» إلى غرفة «الرعاية المركزة»، حيث ترقد شيرين على سريرها، ومع دقات الثانية ظهراً، حيث موعد الزيارة يدخل والدها محاولا أن يرسم على وجهه ابتسامة لإرضاء ابنته المريضة التى التف حولها الأطباء محاولين الحصول منها على أى رد فعل يطمئن من حولها، ولكنها وسط كل ذلك تعيش فى واد آخر خاص بها، تتلعثم فى الكلام، شفتاها تتحركان وكأنها تريد أن تتحدث ولكن شيئاً ما يأخذها إلى عالم آخر متسائلة بصوت غير واضح: «أنا كنت فى حادثة»،

بينما تحاول الطبيبة التأكيد على أن حالتها تتحسن يوماً بعد الآخر، تسألها عن اسمها، فتبتسم شيرين ابتسامة طفل لا يملك القدرة على التركيز أو التفكير وتوجه عينيها إلى الجهة الأخرى، وعندما تحاول التحدث تأخذك بطريقتها المتلعثمة لتشعر وكأنك أمام طفلة لم تتجاوز عامها الخامس، ورغم كل ذلك يحاول الأب أن يكذب عينيه ويستمع لحديث الأطباء الذين أكدوا أنها تتحسن بشكل ملحوظ، بعد أن كانت فاقدة للوعى تماماً.

وعلى الرغم من تأكيد الأطباء أن حالة شيرين تتحسن بشكل ملحوظ، بدليل أنها انتقلت من الرعاية الحرجة إلى العادية منذ يومين، إلا أن والدها يقول بصوت غلب عليه اليأس: «مشكلة ابنتى أن الأكسجين انقطع عنها أثناء وجودها بغرفة العمليات، فأصيبت بمشكلات فى خلايا المخ، ولكنها الحمد لله فاقت من الغيبوبة حتى وإن تحولت إلى شخص آخر».

أمتار بسيطة تفصل بين مستشفى الجراحة حيث ترقد شيرين، ومستشفى استقبال طوارئ النساء والتوليد حيث يرقد العشرات فى انتظار دخول «كشك الولادة» أو «غرفة العمليات»، ولكن تلك الأمتار البسيطة لم تمنع تسرب الأقاويل والحكايات بشأن السيدات الست اللاتى توفين خلال الأسبوعين الماضيين أثناء الولادة، والذى تحول مع الوقت إلى هاجس يسيطر على السيدات الحوامل اللاتى أعلّن خوفهن من تكرار المأساة معهن، وهو ما دفع عزة ناصر التى اتكأت على زوجها لحين دورها فى الكشف لتقول: «سمعنا بما حدث ولكن الأطباء أكدوا أن الحالات كانت خطيرة من البداية والحمل كان عبئاً على الأمهات الضعيفات، وفى نفس الوقت لا نقدر أن ندفع مبالغ كبيرة لأذهب لمستشفى آخر، فجئت هنا وأنا أدعو الله ألا أكون الضحية التالية، خاصة أنى لا أعانى من أى أمراض مزمنة».

بعيداً عن عيادات الكشف يوجد عالم آخر من المرضى الحوامل موزعين بين طوابق المستشفى الأربعة، حيث يرقد عدد من السيدات إما فى غرف إفاقة ما بعد الولادة «القيصرية» أو غرف الحالات الحرجة كمرضى القلب والسكر تنتظرن دورهن فى الولادة، ولكن أول ما يمكن ملاحظته بمجرد أن تطأ الأقدام المكان هو انتشار العمال والعاملات لتنظيف الطرقات والغرف بشكل ملحوظ، وهو ما لم يتعود عليه المرضى -على حد قولهن - ولكن سرعان ما تزول الدهشة بمجرد رؤية المريضات يجلسن على الأرض أثناء تناول وجبة الغداء خوفاً من تعرض الملاءات الجديدة للاتساخ، الأمر الذى لخصته هنية أحمد، إحدى المريضات بالسكر وهى تقول بصوت منخفض بعيداً عن التمريض: «النهاردة يوم غير عادى، منذ الصباح والنظافة أكثر من اللازم،

فبعد أن كنا نرقد بجوار الحشرات، قامت العاملة بتغيير الملاءات، والغرفة تنظف كل 5 دقائق، حتى إنهم طلبوا منا عدم تناول الطعام على السرير خوفاً عليه من الاتساخ، وذلك لأن العميد أو رئيس الجامعة قد يمر، بالإضافة إلى قنوات تليفزيونية بسبب ما نشر فى الجرائد». ما حدث كان سبباً كافياً للتعرف عن قرب على ما يحدث خلف أبواب المستشفى الجامعى، وأولى سماته التى لا تحتاج إلى برهان أو دليل «الطوابير»، بداية من «شباك تذاكر الكشف»، ثم طابور الانتظار أمام العيادات، ومنه إلى الصيدلية وأخيراً خزينة دفع العلاج، وهى الرحلة الشاقة التى جعلت المترددين على المستشفى يحضرون كراسيهم المتنقلة استعداداً لمشقة اليوم، ومنهم من جلس على الأرض لعدم مقدرته على الوقوف لساعات طويلة، وهو ما دفع صابرة أحمد إلى النوم على الأرض أمام مدخل إحدى العيادات متكأة برأسها على قدم زوجها الذى جلس حاملاً ورقاً للتهوية على زوجته المريضة التى تنتظر دورها فى الكشف الباطنى منذ ساعات.

بالانتقال بين أقسام المستشفى التى لم يفلح العمال فى تنظيفها على أكمل وجه استعداداً لزيارة المسؤولين بسبب الزحام الشديد، يقف عشرات الأفراد أمام عيادة الأورام، حيث يدخل واحد تلو الآخر جلسات «الإشعاع» أو «الكيماوى»، شاكين تكرار تعطل جهاز المسح الذرى الذى لا يعمل منذ عدة أشهر، وهو ما دفع أحد المواطنين إلى التشكيك فى ذلك وقال: «لمصلحة من يتعطل الجهاز، كلنا نعرف أنه معطل لمصلحة مركز خاص هو الوحيد فى الزقازيق الذى يملك نفس الجهاز، ويجبرنا على دفع مئات الجنيهات للكشف من خلاله»، ومع تكرار تلك الكلمات التى همهم بها المرضى كل على حدة، ترفض الممرضة التعليق على ما حدث.

مع تعدد المبانى داخل حرم كلية طب جامعة الزقازيق ما بين مستشفيات وأماكن لهيئة التدريس، لن يكون صعباً على أحد التفرقة بينها، فمكان الكلية هو الأكثر رقياً عما حوله، بالإضافة إلى العلامة المميزة لأقسام المستشفى المتفرقة وهى الزحام، إما من أجل الكشف أو الزيارة، ولكن هناك مبنى ذا طبيعة خاصة، لأن كل المترددين عليه فى الأغلب زائرون، وهو مكان غرف الرعاية المركزة للأطفال والكبار، وإن كان لا يظهر عليه الملامح التى لابد أن يتصف بها مكان كهذا سواء من مستوى النظافة إلى طبيعة الغرف، التى لا فرق بينها وبين الغرف العادية إلا من وجود ستائر تفصل الأسرّة عن بعضها، تفتقد لأقل عوامل التهوية، رغم وجود «تكييف هواء» يعمل ولكن دون أن يشعر به أحد، حتى إن زائرى المرضى جلسوا حاملين ورق كارتون للتهوية على المريض طوال فترة الزيارة، بالإضافة إلى انتشار أسرّة فى طرقات الغرفة بجوار سلة مهملات النفايات الطبية المجاورة لرأس المريض مباشرة.

من جانبه، أكد الدكتور خالد عبدالبارئ، رئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية بالزقازيق، أن حادث وفاة السيدات الست لم ينتج عن تقصير من المستشفى أو تعطل أجهزة كما رددت رئيسة التمريض أو أهالى المرضى، وقال: «ما حدث كان مضاعفات عادية لسيدات جئن المستشفى فى حالات حرجة، فعلى سبيل المثال ابتسام كانت فى غيبوبة ودخلت الرعاية وهى تعانى من مشاكل فى القلب والرئة أثناء الولادة، ومروة المتوفاة الثانية جاءت بعد ولادة قيصرية فى مستشفى (فاقوس)، حيث تعرضت لتهتك أحد الشرايين واستأصلت الرحم ثم إلى غيبوبة أيضاً، أما سماح فتعرضت لجلطة فى الشريان الرئوى، وبعد نشر الموضوع قام فريق الصيانة بفحص الأجهزة، وتأكدنا أنها تعمل بشكل جيد، حتى إن اليوم الذى دخلت فيه المتوفاة الخامسة سهام تم إجراء 40 جراحة (قيصرية) على نفس الأجهزة، ولكن ما حدث لها هو توقف فى عضلة القلب، وهى حالة يمكن أن تحدث لرجل سليم أثناء سيره فى الشارع».

وعن تزايد حالات الوفاة بالمستشفى فى الفترة الأخيرة قال: «إذا كان دورى كمستشفى جامعى استقبال الحالات الخطرة من كل حدب وصوب كيف لا تكون نسبة وفياتى عالية، أعترف أنها مرتفعة ولكن لطبيعة المستشفى، وأكرر وأقول: «لا توجد مشكلة فى أجهزتنا، لأن هناك صيانة دورية، وحتى مع تعطل أى جهاز لا يمكن أن يموت مريض بسبب ذلك، لأن هناك طبيباً معالجاً يباشر الحالة ويجرى الإسعافات اللازمة، بالإضافة إلى وجود جهاز أو اثنين احتياطى، خاصة فى غرفة العمليات، وفى النهاية هذه الأجهزة كأى شىء من صنع الإنسان قابلة للعطل، ولكن هناك متابعة فورية، والجهاز الوحيد المعطل لدينا الآن هو «المسح الذرى»، ولكن صعب إصلاحه لعدم وجود سيولة مالية، لأننا نحتاج 2 مليون جنيه لجلب جهاز جديد».

أما حالة شيرين فقد وصفها عبدالبارئ بأنها فى تحسن ملحوظ، بدليل أنها أفاقت من الغيبوبة، ولكنها جاءت بمشاكل فى الغدة الدرقية وبالطبع كان لها تأثير سلبى عليها أثناء الولادة ليس لتعطل أجهزة أو غيره كما ردد البعض. من جانبها، لفتت الدكتورة سحر الجمال، أستاذ التخدير ورئيس وحدة الرعاية المركزة بمستشفى الجراحة الجديد التابعة لجامعة الزقازيق، إلى أن المشكلة أن المريض يأتى إلى المستشفى بعد أن تنفد «صحته وفلوسه» فى المستشفيات الأخرى، وأضافت: «ليس من حق أى فرد أن يؤكد تعطل جهاز من عدمه، كما تردد فى تصريحات الممرضات، حتى أنا لا أقدر على معرفة ذلك، لأن هناك فريقاً للصيانة يقوم بعمله بشكل دورى وهو المسؤول أولاً وأخيراً عن حالة الأجهزة، وهو أيضا من أكد أن الأجهزة سليمة».