غسيل مخ أمناء الشرطة!

وليد علاء الدين السبت 20-02-2016 21:37

لفت فضولي المسمي العلمي للتخصص الذي تحمله: «الهيمنة الدماغية»، قبل أن يلفت اهتمامي أنها المرأة العربية الأولى التي تتخصص فيه، والأولى عالميًا التي تنجز فيه أطروحة دكتوراه.

وعليه فقد قررنا أن نخصص حلقة كاملة من البرنامج التليفزيوني «من الخليج» لقناة الغد العربي الذي يقدمه الإعلامي المتميز عامر بن جساس. للباحثة الإماراتية الدكتورة جميلة سليمان خانجي.

تتلخص فكرة الهيمنة الدماغية في محاولة قراءة خرائط عقول البشر والتعرف على ميولهم واستعدادتهم للتمكن من التدخل لتطوير وتوجيه وتعديل سلوكياتهم وضمان أفضل نتائج لأنشطتهم.

ثمة قاعدة أساسية يقوم عليها هذ العلم، ملخصها أن الدماغ البشري يتكون من نصفين أيمن وأيسر، الفص الأيمن مسؤول عن الرومانسية والشاعرية والخيال والإبداع، بينما يركز الفص الأيسر على القدرات العملية المادية.

والبشر الذين يعتمدون على أحد الفصين فقط يعانون بلا شك من نقص في ما يوفره الفص الآخر، فنكون أمام إما بشر عمليين ماديين لا خيال لديهم ولا مشاعر ولا رغبة في الإبداع، أو أمام بشر مبدعين وحالمين ولكنهم غير قادرين على مقاربة الواقع بأحلامهم.

ومهمة علوم الهيمنة الدماغية الأولى تحقيق القدر الكافي من التناغم بين الفصين بحيث لا تتسبب هيمنة أحدهما في خمول الآخر وبالتالي شخصيات غير متزنة.

ليست الهيمنة الدماغية مجرد علم نظري يكتفي ببعض الافتراضات ولكنه، على الأقل في دول العالم المحترمة- تحول إلى أداة تطبيقية تستهدف التطوير والتنمية، بداية من مساعدة الطلاب على التكيف مع المناهج الدراسية، أو تطوير مناهج تعليمية متخصصة وفقًا لنتائج اختبارات الهيمنة الدماغية، وهو كذلك يستخدم في المؤسسات التدريبية ومعاهد إعداد القيادات أو تجهيز واختبار بشر لمهام خاصة.

سألنا الدكتورة جميلة إن كان هذا العلم يمكن أن يستخدم لتغيير قناعات وأفكار البشر؟ فكانت الإجابة بنعم، بل إنه يستخدم- منذ سنوات في الغرب- لإعادة تأهيل المنخرطين في جماعات إرهابية وتكفيرية عبر مساعدتهم على تغيير قناعاتهم.

إذن هو جاهز كعلم لفعل العكس، أي صنع بشر متعصبين وإرهابيين؟ كان هذا سؤالنا التالي، والغريب أن الإجابة كذلك كانت بنعم، وعليه: هل ثمة علاقة بين علوم الهيمنة الدماغية وعمليات غسيل المخ، سألناها، فكانت الإجابة الصادمة أنهما تقريبًا اسمان لعلم واحد! ولكنها أكدت أن الأمر فقط لا يشبه ما تقدمه السينما الأمريكية. ولكن الهيمنة الدماغية علم ذو حدين يمكن أن يكون حربًا كما يمكن أن يكون سلامًا.

خلال الحوار اكتشفنا أن إحدى آليات التواصل مع الخريطة الدماغية للإنسان هي «التنويم المغناطيسى»، وقد استدعى الزميل عامر بن جساس بخفة ظل سريعة شخصية الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي من الذاكرة وسألها إن كانت الصورة التي قدمها في السينما للمنوم المغناطيسي صحيحة، هل ينام الإنسان بهذه البساطة؟

المفاجأة أن الإجابة كانت أقرب لنعم، إذ قالت الدكتورة جميلة: إن فكرة التنويم بسيطة إلى حد التشابه مع نموذج النابلسي- من دون كوميديا- إلا أن الوصول إلى هذه الطريقة معقد إلى درجة كبيرة ويحتاج إلى العديد من المعارف والمهارات، كما يعتمد على مدى موهبة وخبرة القائم بالمهمة. وقالت إن التنويم المغناطيسي مجرد إذن بالدخول إلى العقل الباطن واستنطاقه بطريقة علمية للوقوف على معلومات بعينها تساعد المعالج في استكمال علاجه وفقًا لقراءة دقيقة للخريطة الدماغية.

على هامش تصوير الحلقة حكت لنا الدكتورة جميلة قصصًا موثقة بدراسات أكاديمية لحالات كثيرة نجح فيها التنويم المغناطيسي في مساعدة مدمنين على الإقلاع عن الإدمان بعد فشل مصحات مختصة في علاجهم، لأن المنوم نجح من خلال جلسات التنويم في معرفة سبب رفض العقل الباطن لفكرة الإقلاع عن التعاطي. وسردت لنا قصصًا أخرى لحالات نفسية معقدة نجح المعالج في محاورة العقل الباطن لأصحابها وصولًا إلى لحظات في طفولتهم المبكرة جدًا وربما في لحظاتهم الجنينية كانت سببًا في نشوء العقدة، وبالتالي تم حلها.

وعلى المستوى العام شرحت كيف نجحت تجارب علوم الهيمنة الدماغية في إلغاء فصول «الحالات الخاصة» لتلاميذ تم تصنيفهم في مدارسهم «حالات خاصة» لمجرد أن المناهج التعليمية مصممة بعقول ولعقول مختلفة عن خرائط عقولهم، وقالت إن التلاميذ أنفسهم أبدوا تفوقًا كبيرًا في المجالات نفسها التي صُنفوا فيها حالات خاصة بمجرد تغيير طريقة تقديم المعلومات لهم واحترام تعدد الذكاءات.

معلومات كثيرة شيقة مثيرة خرجنا بها خلال ساعات تسجيل الحلقة والتحضير لها، ولكن السؤال الفانتازي الذي تذكرته وجعلني أكتب هذه المقالة اليوم،- بما أننا كنا في أيام انتخابات مجلس النواب المصري- كان عن إمكانية استخدام مناهج الهيمنة الدماغية وغسيل المخ على أعضاء المجالس النيابية في بلداننا العربية قبل انتخابهم لبيان مدى قدرتهم على الوفاء بما يقدمونه من وعود بالمجان لمن يختارونهم!

وكانت الإجابة كذلك مذهلة حين قالت الدكتورة جميلة إن ثمة اختبارات -موجودة بالغرب بالفعل- لقياس مدى اتفاق وعود المرشحين مع قدراتهم الذهنية والنفسية على تنفيذها، وهي اختبارات- إن لم تضمن عدم كذب المرشحين على الناخبين- فإنها على الأقل تُرغمهم على بذل جهود حقيقية أو الاستعانة بمن يستطيع لتحقيق ما وعدوا به.

إذا كان سر علوم الهيمنة الدماغية «باتع» إلى هذه الدرجة، فكلنا بلا شك في حاجة إليها، ولكن سؤال اللحظة:

هل يمكننا استخدام الهيمنة الدماغية وغسيل المخ في إعادة تأهيل أمناء الشرطة؟

هل يمكن أن تنجح في حمايتهم وحماية المجتمع من شر تنمرهم الذي تتزايد معدلاته يومًا بعد يوم؟

لا أنصح بالطبع بتنويمهم مغناطيسيًا على الطريقة النابلسية، «الشر بره وبعيد»، ولا غسيل دماغهم على طريقة السينما الأمريكية، ولكن أتمنى أن يكون العلم وفي المقدمة علوم النفس وفي صدارتها علوم الهيمنة الدماغية ضمن أي تصور تعتمده الدولة لضبط منظومة الأمن في مصر وإعادة صياغة علاقتها بالمجتمع.

وبلغ سلامي للعلم والعلماء.

waleedalaa@hotmail.com